مطلوب «هدنة» لتبريد الرؤوس الحامية!

هل تبددت فرصة “التوافقات” في مجتمعنا، وهل أُغلقت – بالتالي – أبواب الحوار والتفاهم، ووجدنا أنفسنا امام واقع ملتبس يتحايل البعض على “تزيينه” وتسويقه فيما يبالغ البعض في “النفخ” فيه وتأجيجه وتوظيفه؟
اعتقد أن هذا ما حصل في بلدنا بعد عامين من المداولات والاشتباكات، كان يمكن – بالطبع – أن تتمخض عن خطة انتقالية محددة المضامين والمواقيت، وعن مرحلة جديدة من الاعتذارات والمصالحات، وعن برنامج “للتناوب” على الحكومات، لكننا اكتفينا بوضع “الاصلاح” على سكة “الانتخابات”، وافترضنا سلفاً بأن معادلة “التغيير والأمل” ما تزال صالحة للاستخدام، وبأن ذاكرة مجتمعنا مشطوبة، وبان لدينا من “الضمانات” ما يكفي لتطميننا على “صحة” خياراتنا وسلامة تجاه بوصلتنا ومساراتنا “الوطنية”.
الآن، تجاوزنا مرحلة “الوفاق” بعد أن عجزنا عن انجازها، ولم يعد أمامنا ما يكفي من الوقت لطرح مبادرات جديدة، وبقيت – فقط – فرصة “لتخفيف” الخسائر، وواجب الحكومة الجديدة أن تستثمر في هذه الفرصة، وأن تعتبر بان مهمتها الاساسية هي “الحفاظ على السلم” الداخلي، ومنع أية محاولة “للتأزيم”، وربما يكون أمامها مساران رئيسان لتحقيق ذلك، احدهما: اطفاء حالة “الاحتقان” التي سببتها الاعتقالات التي طالت بعض اعضاء الحراك، وثانيهما تأجيل بحث مسألة رفع الدعم عن السلع والمحروقات لما بعد الانتخابات البرلمانية، حيث يمكن للحكومة والبرلمان الجديدين أن يتحملا مسؤوليتهما في تحرير ما يلزم من حلول ومقررات.
في موازاة ذلك، يمكن التفكير باعتبار الشهور الثلاثة القادمة مناسبة “للاستفتاء” على وصفة “الاصلاح” الرسمية، وهذه بحاجة الى التوافق على “هدنة” يلتزم به الطرف الرسمي بحق المعارضة في الاحتجاج، وتلتزم فيها المعارضة بممارسة هذا الحق في اطار من السلمية والهدوء والاتزان، وبالتالي فإننا سنترك امام الناس فرصة للحكم على ما تمّ انجازه، ونستطيع بعدها أن نقرر ما اذا كانت الأغلبية قد انحازت لوصفة الاصلاح المقررة.. أم أنها تحفظت عليها.. وأول النتائج ستظهر في الانتخابات، حيث ستقول الصناديق كلمتها، لا على صعيد المرشحين الفائزين فقط، وانما على صعيد نسبة المقترعين وخريطة البرلمان الجديدة.
قد يقول البعض: إن طرح فكرة “الهدنة” هو انحياز لمعسكر “قوى الشدّ العكسي” أو انتصار لرغباتهم ومحاولاتهم، وأن موقف أغلبية الناس أصبح واضحاً بعد عامين من المطالبات والاحتجاجات، وأن ما ستتمخض عنه الانتخابات لن يختلف ابداً عن “حصاد” التجارب السابقة، وهذا ربما يكون صحيحاً، لكن السؤال: ما الذي يمكن فعله امام احتدام الصراع بين “الرؤوس الحامية” على الطرفين؟ هل نقبل مثلاً بان يفضي هذا الصراع الى “هدم” البلد والانتفاض على وحدة “المجتمع” والاخلال بسلامه الداخلي؟ ومن سينتصر عندئذ، بل وما قيمة أي انتصار يحققه أي طرف؟
صحيح أننا افتقدنا صوت “العقل” وصحيح أننا نشعر بالارتباك والخوف من القادم، لكن لا بدّ أن نتحلى بمزيد من “الحكمة” والصبر والعقلانية، فهذه هي الوصفة الوحيدة التي تفضي بنا الى “الاصلاح” لا إلى الخراب والى حماية بلدنا من العبث لا اغراقه في الصراعات والأزمات، فليس امام دعاة الاصلاح الاّ “التعقل”، واعتقد أنهم سيلتزمون بذلك.
( الدستور )