«3» أشهر صعبة .. كيف نتعامل معها؟

أرجو أن ندقق كثيراً في صورة مجتمعنا خلال الشهور الثلاثة القادمة.
ثمة من يتصور ان المشهد سيكون كالتالي: أغلبية الناس ستنشغل بالانتخابات، ومع ارتفاع هدير “المرشحين” وفزعات الناخبين ستمضي الشهور الصعبة بسلام، وسندخل عتبة البرلمان “بألوان” سياسية جديدة، وستكون تلك اللحظة مناسبة للاحتفاء بنجاح “وصفة” الإصلاح واجتياز المرحلة “الانتقالية” بامتياز.
لضمان اكتمال الصورة، ثمة محاولات تجرى على قدم وساق لدفع شخصيات من ذات الوزن السياسي الثقيل للترشح في “قوائم وطنية”، ولإغراء أحزاب وسطية واخرى يسارية “واسلاميين” معتدلين للدخول في معركة الانتخابات، واقتناص فرصة “غياب الإخوان” وتعويض مقاعدهم.
المال السياسي، بالطبع، سيكون له نصيب من “الحركة”، ومن الضرورة ان ننتبه هنا الى خطورة ارتداداته، لا على خريطة البرلمان فحسب، انما على خرائطنا الاجتماعية ايضا.
على الطرف الآخر ثمة من يتصور المشهد كالتالي: الإقبال على الاقتراع ربما يكون متواضعاً، المقاطعة ستبقى في الشارع، وستبحث عن آليات جديدة للانتقال من دائرة “السلبية” الى “الايجابية”، وقد يكرر الإخوان من النموذج المصري بعد الانتخابات التي قاطعوها، وقد ينتظرون لحظة “انكشاف” خريطة البرلمان القادم للتعامل معه وفق مقاربات سياسية مرتبطة بـ”المتوقع” من برنامج الاصلاح، بخاصة فيما يتعلق بالحكومات البرلمانية المفترض أن تخرج من رحم البرلمان.
اذا تجاوزنا هذه التصورات التي تختزل الثنائية التي وجدنا أنفسنا للأسف أسرى لها، اقصد ثنائية الدولة والإخوان، سنلاحظ ان ثمة مساحات اخرى يمكن رؤيتها بوضوح، فهنالك مقررات حكومية عاجلة في الجانب الاقتصادي ربما تعكر المزاج العام، وهناك حالة من “السكون” يعاني منها مجتمعنا وتتعلق بـ”هوة” الثقة تجاه المقررات الرسمية، وهناك حالة من “اللاتوازن” ساهمت فيها سياسات خاطئة لم يجر تصحيحها، وهذه جعلت أغلبية الناس تختار موقف “اللامعني” أو “غير المبالي” مما يحدث في المجتمع، وبالتالي فإن خيار “القطيعة” هذا ليس ضد هذا الطرف أو ذاك.. كما انه ليس انتصاراً لأحدهما على الآخر.
اذا دققنا اكثر في المشهد سنكتشف أن الصراع على “الاصلاح” بين النخب، مهما كانت اصداؤه، ليس خطيراً، انما سيظل تحت “السيطرة”، لكن الخطر يكمن فيما قد يحدث خارج “الثنائية” التي أشرنا اليها، بمعنى ان تزدحم المساحات التي أشرنا اليها “بملفات” كبرى تتعلق بحياة الناس، أو كرامتهم، أو تثير بعض النزعات فيهم، عندها لا يمكن لأحدنا ان يتوقع طبيعة “ايقاع” الشهور القادمة، كما لا يمكن التنبؤ “بالفاعلين” وقتئذ، لا من حيث اتجاهاتهم ولا من حيث اهدافهم واغراضهم.
باختصار، أرجو ان ننتبه الى ما يحدث في مجتمعنا منذ الآن وحتى نهاية العام، وان نتفحص فيما يتغلغل داخله وما يخبئه، وألا نكتفي - فقط - برصد حركة الإخوان أو حلفائهم في الشارع، صحيح ان فهم اشارات ما يصدر هناك مهم، لكن الأهم منه هو فهم “الذبذبات” التي نسمعها - أو ربما لم نسمعها حتى الآن - من الناس الذين يبحثون عن العدالة والكرامة والاصلاح، لا عن “السلطة” وامتيازاتها المعروفة.
( الدستور )