انتخابات بلا « نصاب »

أعلنت فتح فوزها الكاسح في أول انتخابات تجري في الضفة الغربية (من دون غزة)، منذ الانقسام الفلسطيني الأكبر والأطول والأخطر في العام 2007...لكنها لم تعلن عن «الطرف المهزوم» في هذه الانتخابات، والحقيقة أن فتح كانت تنافس نفسها، في ظل مقاطعة الفصيل الثاني الرئيس في الحركة الوطنية الفلسطينية: حماس، ولهذا السبب بالذات، لا أحسب أن قراءة فتح لنتائج الانتخابات باعتبارها «استفتاءً على برنامجها الشعبي»، هي قراءة في غير محلها، كما لا نتمنى لفتح أن تركن إلى نتائج هذه الانتخابات أو أن تتعامل معها بوصفها «تعبيراً عن موازين القوى على الساحة الفلسطينية».
لم نكن نتمنى أن تجري الانتخابات على هذا النحو وتلك الصورة، بلا غزة ومن دون حماس...لكننا مع ذلك نتفهم إجراءها في ظل استمرار حالة الانسداد في عملية المصالحة، وإصرار «حماس غزة» على تعطيل «مسار اتفاق الدوحة» وتطبيقاته..كما أننا نتفهم حاجة سكان القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، لاختيار ممثليهم لإدارة شؤونهم الحياتية اليومية، وهم الذي فعلوا ذلك باستمرار وانتظام، حتى في سنوات الاحتلال المباشر لأرضهم.
والمأمول حقاً، ألا يكون إجراء الانتخابات المحلية، عامل «قطع وقطيعة» إضافية بين شطري الوطن الفلسطيني (المحتل والمحاصر)، وألا يكون «نهاية مطاف» جهود إحياء المصالحة...فانتخابات محلية مبكرة، يمكن أن تجري بـ»نصاب كاملٍ» وفي سياق المصالحة وترجماتها، إذا ما قدر لـ»قطارها» أن يغادر محطة الجمود والمراوحة.
لكن أخشى ما نخشاه، هو أن يتشجع فريق من السلطة في رام الله، بنتائج الانتخابات البلدية، فيبدأ المطالبة بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في الضفة من دون غزة، بمشاركة حماس أم من دونها...ذلك أن أمراً كهذا، سيعني في حال حصوله، «مأسسة الانشقاق وتشريعه».
لقد سمعنا لأفكار ومقترحات، تتحدث عن إجراء الانتخابات من دون حماس، ووفقاً لنظام «القوائم الوطنية» التي تشتمل على مترشحين من الضفة وغزة، على أن يتاح للناخبين في غزة إمكانية ممارسة حقهم في «التصويت الالكتروني»، بدل الذهاب إلى صناديق الاقتراع...مثل هذا «السيناريو» يجب أن يكون «آخر العلاج» وبعد استنفاد كافة الفرص (التي لم تُستنفد بعد) لإجراء الانتخابات العامة في كل مناطق السلطة، وبمشاركة مختلف مكونات المجتمع والشعب الفلسطينيين.
على أن ذلك لا ينبغي أن يؤخذ بوصفه «فرصة مفتوحة» لحماس، لا يضبطها وقت ولا «خط نهاية» لها...فالنظام السياسي الفلسطيني، بجناحيه، يواجه أزمة شرعية، والحاجة لبناء الحركة الوطنية الفلسطينية، باتت ماسّة أكثر من أي وقت مضى، والرهانات الضيقة على تغيير هنا وتبدل هناك في خرائط السلطة والحكم، لا يمكن أن يكون بديلاً عن التوجه الحازم نحو ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
والحقيقة أن ترتيب البيت الفلسطيني يجب أن يبدأ الآن، بل وكان يجب أن يبدأ قبل عقد من الزمان على أقل تقدير...وثمة الكثير من الخطوات التي يمكن الشروع في اتخاذها وانجازها من دون انتظار، فمنظمة التحرير بدأت وانطلقت قبل حماس ومن دونها، وهي تراخت وتراجعت وحماس خارجها...ويمكن الشروع في إنجاز بعض حلقات إعادة بنائها وهيكلتها في هذه الأثناء، على أن تتوج هذه العملية بالمصالحة الشاملة بدل أن تكون نقطة البدء في مسارها.
نفهم أن حماس في وضع داخلي لا تُحسد عليه، وأنها بصدد إعادة ترتيب مؤسساتها وانتخاب قياداتها، وأنها بصدد تغييرات قد تكون جوهرية في بنيانها القيادي...لكن هذه العملية ستشارف على نهايتها قريباً..وسيكون للحركة مؤسساتها القيادية الجديدة قبل نهاية العام، وبعدها لن يكون لها عذر في إرجاء الاستحقاقات الحاسمة، إن كان على مستوى الرؤية والبرنامج التحالفات، أو فيما خص مقاربة الملفات الوطنية الفلسطينية الأكثر أهمية وإلحاحاً.
( الدستور )