دفاعاً عن أخلاقيات الخصومة السياسية!

ربما تكون السياسة «المهنية» الوحيدة التي لم يتوافق أصحابها بعد على وضع ميثاق شرف لقواعد «السلوك السياسي»، لكن هذا لا يمنعني من اعادة التذكير بضرورة الانتصار لأخلاقيات العمل السياسي النظيف والالتزام بآداب الخصومة السياسية.
صحيح أن ثمة من فصل بين السياسة والأخلاق، وبين الدين والأخلاق ايضاً، لكن لم يخطر في بال – حتى هؤلاء – أن المشكلة ستتحول من مجرد «طلاق» بالمعروف الى «زواج» مغشوش، ذلك انه اذا قدِّر لنا أن نفهم مبررات هذا الطلاق في سياقات اجتماعية وسياسية ونختلف على مشروعيته السياسية فإنه من غير الممكن أن نفهم مسوغات ذلك «الاقتران» الذي يبدو ظاهرياً فيما تنحدر ممارسات طرفية الى اسوأ ما يمكن من مشاجرات ومناكفات.
لا أخفي أنني أشعر بالصدمة حين أتابع بعض السجالات التي تشهدها بلادنا، وأقول في نفسي: لماذا انحدر خطابنا السياسي الى هذا المستوى، ولماذا تحولت «لغتنا» السياسية الى مفردات موحشة خالية من «اللطف» واللباقة والأدب؟ استطيع أن اقدِّر بالطبع ما تستدعيه «الخصومة» السياسية من استثمار لأخطاء هذا الطرف أو ذاك، واستطيع أن افهم ما تستلزمه الصراعات السياسية بين النخب من «توظيف» لبعض المواقف، لكن ما الذي يدفع هؤلاء الى الابتذال في الخطاب، والى «الضرب» تحت الحزام، والى الامعان في تشويه الخصوم واغتيالهم سياسياً؟
من واجبنا ان نعترف بأن حالة «الحصار» التي تعرضت لها تجاربنا السياسية حرمتنا من «انضاج» خطابنا السياسي، وأشاعت بيننا ثقافة «الاقصاء» والحذف بدل أن تساعدنا في فهم بعضنا أو في ترسيخ فكرة «الشراكة» والتكامل بيننا، لكن اقتصادنا للتجربة والممارسة السياسية لم يكن هو السبب الوحيد، ذلك أننا اكتشفنا ايضاً بأن مجتمعاتنا وقعت ضحية لمناخات سياسية غير صحية افرزت منها اسوأ ما فيها، لدرجة انه أصبح من الصعب أن نُحّمل مسؤولية «الاسفاف» في الخطاب لطرف دون آخر، فلا المعارضة نجحت في تقديم ممارسات سياسية وفق قواعد السلوك الملتزم أخلاقياً، وفي اطار «المبادئ» النظيفة التي يفترض أن تحرص عليها، كما أن السياسي الرسمي عجز ايضاً عن فعل ذلك؛ ما أتاح المجال لتعميم حالة من «الاشتباكات» الملغومة التي لم تقتصر على «النخب» وحسب وانما امتدت إلى أطراف المجتمع كله.
نريد أن نذكّر – مرّة اخرى – بفضيلة الانحياز لأخلاقيات العمل السياسي، وبقيم الصدق والنزاهة والشرف التي يجب أن يتحلى بها السياسي، مهما كان موقعه أو اتجاهه، فالاصلاح الذي نحتشد من أجله يبدأ من عنوان «الأخلاق» سواءً أخلاق الدين أم اخلاق السياسة، وإذا قدّر لأحدنا أن يشخّص الأزمة التي نمر بها في كلمة واحدة فهي – بالتأكيد – ازمة «أخلاق».. وهذه لا يمكن حلها في اشهار زواج متعة أو صفقة «شطارة» ولكنها تحتاج إلى نوايا حسنة وقلوب نظيفة وضمائر حية!.
( الدستور )