عن رسالة مرسي وحقيقتها واستغلالها

منذ تسرب أخبار الرسالة التي قيل إن الرئيس مرسي قد بعثها لرئيس الكيان الصهيوني مع السفير الجديد في تل أبيب، لم نتردد في كيل الهجاء للرئيس المصري مرسي وللإخوان، لكن الأمر لم يلبث أن كشف وجها آخر للحقيقة بعيدا عن لعبة التضليل التي مارسها إعلام الفلول ومن يسانده من إعلام العرب الخارجي.
ولأن البعض سيتهمنا كما جرت العادة بأننا ندافع عن الإخوان، فسنقول هذه المرة بالفم الملآن: سندافع عنهم ما دمنا نعتقد أننا محقون في دفاعنا. سندافع عنهم في وجه هجمة عاتية لا صلة لها بالنقد، بقدر انتمائها إلى الروح الحزبية والأيديولوجية والطائفية المقيتة، فكيف حين يأتي بعضها من أعداء الربيع العربي وأنصار وشبيحة بشار الأسد المنبثين في زوايا وإعلام السياسة العربية؟!
لن نخجل من دفاعنا عنهم ونحن نرى هجمة شرسة لا تترك محرما إلا وتقترفه، ولا تترك أسلوبا في الكذب والتزوير إلا وتستخدمه، وعندما ينضم الصهاينة إلى جوقة التزوير والدس، فلا بد أن ندافع.
لن يأخذنا البعض بالصوت والاتهامات، فنحن ندور مع الحق حيث دار، أقله من وجهة نظرنا، وحين انتقدنا الحزب الإسلامي في العراق (الجناح السياسي لإخوان العراق) بسبب موقفه من الاحتلال الأمريكي، بينما كان حسن نصر الله يدافع عن أصدقائه الشيعة المتحالفين مع المحتل الأمريكي، فقد كنا أكثر انسجاما مع أنفسنا، وأكثر انحيازا للمقاومة والممانعة بعيدا عن أية عقد حزبية أو طائفية أو مذهبية.
ما ينبغي أن يقال في قضية الرسالة هو ان تسريبها قد جاء من الطرف الإسرائيلي بهدف إحراج الرئيس مرسي والإخوان، بينما كان نصها هو ذاته منذ سنوات طويلة، وهو نص تكرر في 6 رسائل سابقة، بدليل أنه نص يحمل روحية حسني مبارك، ذلك أن مرسي لم يلتق بيريز يوما لكي يصفه بفخامة الصديق العظيم.
هي ذات الرسالة أرسلت، وأنا هنا أنقل عن الصديق فهمي هويدي الذي لا تُعرف عنه مجاملة الإخوان فيما يراه رغم انحيازه للمشروع الإسلامي، هي ذاتها أرسلت 6 مرات، وهي في النتيجة فضيحة للبيروقراطية المصرية التي لم تغيرها بتغير العهد كما قال صاحبنا أكثر من أي شيء آخر.
الحق أن الرئيس مرسي لم يعلم بالرسالة إلا من خلال وسائل الإعلام، وعملية تبديل السفير بآخر كانت تقليدية، وهو لم يكن قد سحب من قبل، مع أن الأصل أن يُسحب في هذه المرحلة التي يستهتر فيها نتنياهو بكل العرب، لكن الإسرائيليين أرادوا إحراج مرسي بنشرها وكأنها موجهة بشكل شخصي منه إلى بيريز، وهي ليست كذلك بأي حال.
من العبث القول إن مرسي الذي لم يتلفظ بكلمة إسرائيل منذ مجيئه إلى الحكم، مع أنه سيضطر في الغالب إلى التلفظ بها في ظل موازين القوى الدولية، يمكن أن يبعث برسالة حميمية من ذلك النوع.
أصحاب الزفة إياها في فضائيات الفلول كانوا يعرفون هذه المعلومة تماما، وهم حين كانوا يعيدون قراءة الرسالة مرارا على مسامع المشاهدين ويضعون صورتها على الشاشة إنما كانوا يقصدون التشويه لا أكثر ولا أقل، مع أننا لم نعرف عنهم المقاومة والممانعة، هم الذين كانوا يطبلون لحسني مبارك الذي أطلق عليه وزير الصناعة الإسرائيلي الأسبق (بنيامين بن إليعيزر) وصف “الكنز الإستراتيجي” لإسرائيل، والذي بكته الدوائر الصهيونية كما لو أنها فقدت أعز الأصدقاء.
لقد أراد الصهاينة الاصطياد في الماء العكر. فبينما لم يتوقف إعلامهم منذ أسابيع عن الشكوى من أن مرسي لم يتلفظ بكلمة إسرائيل، فقد أرادوا تشويهه بتسريب الرسالة، لاسيما أن سيكون من المحرج له أن يخرج قائلا إنه لا يعلم بها، مع أنه كذلك بالفعل.
الذي لا شك فيه هو أن هذه الرسالة ستفضي إلى مزيد من البرودة في العلاقة مع الكيان الصهيوني، لاسيما أن مواقف نتنياهو لا زالت تستخف بمصر والفلسطينيين وعموم الوضع العربي. وقد كشف نائب نتنياهو، موشيه يعلون عن مطالبة مصر بتعديل الجانب الأمني في اتفاقية كامب ديفيد، الأمر الذي رفضته دولته، مشيرا إلى أن مرسي “لا يذكر إسرائيل، ولكن بالمقابل يضطر إلى العمل حسب الاضطرار”.
إنها كلمة حق كان يجب أن نقولها بعد أن هاجمنا الرجل وأصحابه بشكل شرس بعد تسريب الرسالة، من دون أن يحول ذلك بيننا وبين القول ان يكون أكثر حذرا، بل عليه أن يحاسب من أرسل الرسالة، والأفضل أن يعتذر عنها؛ ليس فقط درءا للشبهات، بل أيضا من أجل قراءة أفضل للعلاقة مع العدو الصهيوني، مع أن عموم الوضع المصري والعربي والإقليمي والدولي لا يسمح بالكثير من التأزيم خلال هذه المرحلة التي لا زال الوضع المصري الجديد بعد الثورة يتلمس فيها طريقه نحو أفق أفضل.
( الدستور )