أمريكا وأعمار المصريين !!

اخر ما تفتقت عنه عبقرية الدبلوماسية الامريكية بعد ان ارتدت الخوذة وتعسكرت هو دور الولايات المتحدة في اطالة متوسط اعمار المصريين، ولو سمعها عبد الناصر في قبره لكرر ما قاله في ميدان التحرير عندما رفض الخمسين مليون جنيه وهي المساعدات الامريكية في ذلك الوقت ثم سخر من الامبراطورية التي اختطفت اطالة الاعمار وتقصيرها قائلا انه مات دون الثانية والخمسين من عمره وليس مدينا لمن يزعمون اطالة الاعمار بقدر ما هو ضحية من يقصرون الاعمار بالسموم والدسائس ومكائد ذوي القربى.
فكيف اطالت امريكا من اعمار المصريين؟
هل كان ذلك بعجين القمح المشروط الذي تحول الى اكسير الحياة؟
ام بتلسيح اسرائيل وبكل ما انجزته من تدمير وقتل بدءا من مدرسة بحر البقر التي اصطبغ فيها الطبشور بالدم مرورا بمدن القناة حتى سيناء؟
ما من دولة او امبراطورية سبق لها ان زعمت بانها تطيل الاعمار او تقصرها، لكنه الجنون الذي اتسمت به قوة عمياء، فان المليار دولار التي تقدمها واشنطن لمصر هي سبب اطالة الاعمار، فلتبحث سفارتها عن المصريين الذين دخلت هذه الدولارات الى جيوبهم في عشوائيات القاهرة ونجوع الصعيد والقرى التي تموت من الظمأ رغم انها اشبه بالجمال التي يقتلها الظمأ والنيل فوق ظهورها محمول!!
في احداث بنغازي التي شهدت اقتحاما للسفارة الامريكية ومصرع السفير واخرين صرخت هيلاري كلينتون على الفور قائلة لليبيين هل هذا هو جزاء من ساعدكم؟ رغم ان هناك من كانت مساعدة الناتو لهم اشبه بما حدث في الحرب الفيتنامية عندما قتل الناس لانقاذهم ودمرت قرى من اجل اغاثتها!
وقد تكون الحقيقة معكوسة تماما، لكن الامريكيين لم يقرأوا عن اللورد كرومر وعن نهب ثروات المصريين، تلك الثروات التي ساهمت في تحسين الوضع الصحي للمستعمرين حيثما واينما كانوا.
ما اسرع ان تعيّر امريكا من تقف معهم ولو لدقيقة، وهذا ما احس به الفرنسيون في اربعينيات القرن الماضي عندما ساعدتهم امريكا ضد الاحتلال النازي، لكن هذا لم يمنع مفكرا فرنسيا في تلك الايام هو جان بول سارتر من كتابة مقالة عنيفة ضد امريكا، قال فيها ان الامريكيين عندما جاؤوا الى باريس كانوا يتوقعون ان يروا طوابير من المتسولين بأسمال بالية، لكنهم فوجئوا بان باعة الكتب على ضفة نهر السين ينادون على المارة باعلى صوت وهم يستعرضون اسماء مفكري فرنسا ومبدعيها وفلاسفتها.
وفوجئوا ايضا بالمثقفين يرتدون سترات انيقة في المقاهي ويدخنون الغليون ويتحاورون حول الفلسفة ودور بلادهم في تمدين العالم.
اننا نناشد مثقفي مصر ان يقولوا اكثر مما قال سارتر، ويذكروا امريكا بما صنعته بهم، وبما سلحت به اعداءهم وعدد الفيتوهات التي أشهرتها ضد مستقبل اطفالهم وحرية صحرائهم ومائهم وفضائهم.
اخر مبتكرات وريثة الكولونيالية التي بشرت في الحرب العالمية الثانية بنهاية الاستعمار حتى تكون طبعته الانجلوساكسونية المنقحة والمزيدة هو دورها في اطالة اعمار الشعوب، وبالتأكيد ثمة امريكيون سوف يبكون من شدة الضحك لانهم يعرفون ان اعمارهم ليست بيد الادارة والبيت الابيض والبنتاغون الا حين يرسلون الى اسيا ويعودون في توابيت.
كفى عنهجية امبراطورية فالاعمار ليست بيد واشنطن حتى لو استوطنت القمر والمريخ!
( الدستور )