تجربة الدعم النقدي

إذا كان لا بد من التدخل في السوق لصالح محدودي الدخل فإن الدعم النقدي هو الشكل الأمثل بين أشكال الدعم ، أما أسوأ أشكال الدعم فهو دعـم السلع ، لأنه يخلق تشـوهات ويذهب معظمه لغير المستحقين. يذكر بالمناسبة أن حصة أغنى 10% من العائلات الأردنية من الدعم تعادل حصة أفقر 40% من السكان ، ذلك أن الدعـم بشكله الراهن يتناسب طردياً مع حجم الاستهلاك ، الذي بدوره يتناسب طردياً مع ارتفاع الدخول.
أمام مشروع الدعم النقدي صعوبتان أولهما كيفية تحديد المستحقين ، وثانيهما عدم الثقة بالاستمرارية في الدعم النقدي. أما تحديد المستحقين فهو عملية معقدة لا يمكن أن تكون دقيقة ، وقد وجدت الحكومة أن أفضل طريقة هي منح دعم متساو ٍ لجميع الأردنيين حسب أرقامهم الوطنية ، وبذلك يتم استبعاد غير الأردنيين سياح ودبلوماسيين ووافدين وكذلك غير الأفراد من المنشآت التجارية والمؤسسات الصغيرة والكبيرة.
هذا لا يعني المساواة بين الفقراء والأغنياء ، ذلك أن استفادة الفقير من الدعم الحالي قليلة وسوف يحصل بالدعم النقدي على مبلغ أكبر ، في حين أن خسارة الغني من إلغاء الدعم السلعي كبيرة. والأرجح أنه لن يطلب الحصول على الدعم النقدي لأنه ليس بحاجته ولا يستحقه.
بعبارة أخرى فإن الخطة الحكومية لرفع الدعم سوف لا تمس مصالح الفقراء بل على العكس ستكون من مصلحتهم ، في حين أن كبار المستهلكين هم الذين سيرفعون أصواتهم ضد الإصلاح بحجة حماية الفقير.
الصعوبة الثانية تنشأ عن اهتزاز الثقة بديمومة الإجراءات. ويستذكر البعض ما حدث عام 1996 بعد رفع حكومة الكباريتي الدعم عن الخبز مقابل تقديم دعم نقدي ، حيث قامت الحكومة التالية بالتوقف عن الدفع النقدي ، لكن هؤلاء لا يقولون أن تلك الحكومة التي أوقفت الدعم النقدي أعادت الدعم إلى الخبز ، وخفضت سعر الخبز بمقدار خمسة قروش للكيلو جرام.
حكومة النسور بذلت وما زالت تبذل جهوداً مضنية لتوضيح خطورة الوضع المالي وضرورة اتخاذ القرار بإصلاح الدعم.
ويبدو أن الرأي العام أصبح يعتبر رفع الدعم عن المحروقات أمراً مفروغأً منه ، وأن الخلاف إنما يدور حول حجم التعويض النقدي وأسلوب توزيعه وإمكانية استمراره. وهذا ما ستوضحه الحكومة بعد التشاور مع جميع ذوي العلاقة.
( الراي )