يا له من قرار
عقل الدولة الأردنية الذي تطبخ فيه القرارات، يحتاج المشاركون فيه إلى دورة تثقيفية، عن التغيير الذي أصاب العالم، وعالمنا العربي تحديدا، منذ أن خرج البوعزيزي من مبنى البلدية وحرق نفسه.
برنامج الدورة يجب أن يتركز على كيفية قراءة التغيير الذي أصاب الشباب العشريني، الذي يخرج إلى الشوارع و80 % منه لا يهمه أن يعرف إن كان رئيس الوزراء هو عبدالله النسور، أم فارس الخليل...
فالنسور توهم أن خروجه على شاشة التلفزيون الأردني، سوف يقنع هؤلاء الشباب بمبررات قرار رفع الدعم، فاعتمد على الطريقة القديمة في الخطابة والحوار، والمبالغة في تصوير خطورة الأوضاع والأرقام، وكأنه لا يعلم أن الذي أخرج الشباب في الدول التي وقع فيها الربيع، هو ذاته البرنامج الذي يُبشِّر به، والذي يعتمد على اشتراطات صندوق النقد والبنك الدوليين، وعليه ثارت شعوب المنطقة، فأي ذكاء هذا أن نضع أنفسنا تحت رحمة شروط واشتراطات البنك الدولي التي لا ترحم، ولا تترك رحمة ربنا تهبط على عباده.
في ظل الأوضاع الساخنة التي نعيشها، على صناع القرار أن يلتقطوا جيدا إشارة السفارة الأمريكية أمس وتحذيرها رعاياها من الأوضاع في الأردن، فالسفارة الأمريكية لا تلعب، ولا تُصدر بيانات وقرارات مثلما نصدرها نحن، لا نَطِّلع على مضمونها ولا نقرأها، كما أن إشارات السفارات الأخرى، بأن أوضاع طلبتها في الأردن بخير، تدل أيضا أن الأمور لا تشير إلى الأمان.
لا ندري بالضبط حقيقة الأسباب التي وضعت أمام صانع القرار الذي رفع الأسعار بهذه النسب، لأن الأسباب الاقتصادية غير مقنعة، ومن غير المعقول أن لا تكون القراءات الأمنية والرسمية قد حسبت بدقة حجم ردة الفعل الشعبي، وأنها تفاجأت مثلما تفاجأ الأردنيون ذاتهم أن لديهم كل هذا المخزون من الاحتجاج، بحيث لم ينتظروا على القرار ساعة واحدة، وخرجوا إلى الشوارع، وفي معظم محافظات المملكة.
هل هناك أحد يريد أن يأخذنا إلى الفوضى؟ ممكن ! وهل هناك تصورات إلى أين سوف تؤول الأمور في النهاية ؟ أيضا ممكن . وهل هناك اجندات سياسية غير اقتصادية تقف في الخفاء وراء القرار؟ برضه ممكن! وهل يعلم متخذ القرار حجم الهدية التي قدمها للإخوان المسلمين للخروج من أزمتهم الداخلية ؟ ممكن ! وهل هناك من يريد تخريب العملية الانتخابية وتأجيل الانتخابات ؟ طبعا ! وهل هناك تطورات أخرى في المنطقة تحتم علينا السير باتجاهها إن كان شمالا أم غربا ؟ بالتأكيد ممكن !
إذا لم يُسحب فتيل الأزمة، فإن كل القراءات تقول إن البلاد ذاهبة نحو التأزيم، وهذا ما لا نتمناه، فبلادنا جميلة خاصة إذا تخلصت من الفاسدين، وأجمل إذا وصل مفهوم التغيير الحقيقي إلى عقل الدولة ورجالاتها . ( العرب اليوم )