الأردن والنظام العربي الجديد
تم نشره الإثنين 19 تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 01:03 صباحاً

د.باسم الطويسي
لا يبدو أن هناك ظروفا أكثر دقة سيواجهها الأردن من الظروف الحالية، والتي تتطلب مراجعة الخيارات الاستراتيجية الإقليمية، وإدارة المصالح الوطنية في بيئة إقليمية متأزمة، وعلى خطوط اشتباك متعددة ومتداخلة، بعضها غامض؛ أهمها تطور الأوضاع في سورية ومدى جدية التسريبات التي ترددت عن تحولات جديدة في الموقف الأردني، وتأزم الموقف في قطاع غزة وعودة السخونة لخيارات المقاومة أمام حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، مقابل بدء ملامح أولية لأنماط التحالف في النظام العربي الجديد الذي أفرزته تحولات الربيع العربي. لأول مرة، سينتقل جانب من ثقل النظام العربي، ولعقد من الزمن على الأقل، إلى عواصم دول صغيرة تشكل نظاما إقليميا فرعيا داخل النظام الإقليمي الكبير، والمقصود بها دول الخليج العربي. وهو ثقل لا يتطلب توافقا تاما في التفاعلات التعاونية، ولا هوية موحدة للمواقف، بل تلاحظ قوة هذا الثقل السياسي حتى بدون وجود مركز قيادي واحد. هذه الحالة الاستراتيجية النامية منذ سنوات، منحتها تحولات الربيع العربي قوة ودفعة للإشهار، كما اتضح الأمر في الحضور القوي في مشهد غزة وفي مشهد الأزمة السورية. عاش الأردن الرسمي وهم رواية الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي مع بداية الربيع العربي. وهي الرواية التي سرعان ما تبخرت وتحولت إلى برنامج تعاون يمتد إلى خمس سنوات، لم ينجز منه إلا القليل على خلفية عدم توفر رؤية استراتيجية ناضجة للتوسع في التنظيم الإقليمي الخليجي، تستجيب لتبادل المصالح بين الحاجات الاقتصادية للأردن والحاجات الأمنية والجيو-سياسية للمجموعة الخليجية، والبحث عن استعادة زمام المبادرة على خلفية انهيار النظام الإقليمي العربي ومصفوفة التحالفات التقليدية في ضوء الضربات التي وجهتها الثورات العربية، إلى جانب مصادر التهديد الإقليمي المتنامية. عدم توفر الإرادة الجماعية المشتركة والاشتباك على خطوط جديدة، لم توقف التحالف الأردني-الخليجي الذي لوح به مع بداية الربيع العربي، بل عطل الدور الخليجي التقليدي في مساندة الأردن ودعمه. وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي لم تقدم فيها دول خليجية مساعدات للأردن، بالتزامن مع انقطاع الغاز المصري الذي أرهق الموازنة العامة للدولة؛ ما ولد شعورا لدى الرأي العام وقادته بأن ثمة أثمانا مطلوبة من الأردن الرسمي والشعبي، وأن المعادلات التقليدية إلى زوال. وجهات نظر مستقلة ترى أن الأردن ما يزال يملك وزنا إقليميا وموقعا وكتلة جيو-استراتيجية لها دور حاسم في المنطقة، وعليه أن يستخدم تلك الموارد بحكمة، وأن ينوع في خياراته الاستراتيجية. فالسياسة الخارجية والمواقف الإقليمية حافظتا على نمط التحالفات ذاته منذ البدايات الأولى للحرب الباردة إلى اليوم، بدون تغيير جوهري يذكر، على الرغم من افتقاد خط عمان-بغداد الذي كان ساخنا دوما. الأردن يرتبط بدول الخليج العربي بعلاقات خاصة، تمتد لعقود طويلة سادها استقرار واضح في نمط التفاعلات السياسية وتبادل المصالح الذي خدم الطرفين كل بطريقته. وأمامهما فرصة حقيقية لإعادة تنظيم هذه المصالح بعيدا عن الصيغة الاندماجية في نظام إقليمي، ربما تكون (هذه الفرصة) أكثر فائدة للطرفين. فالنظام الإقليمي العربي يتشكل من جديد، ما يتطلب من الدولة ومؤسساتها تطوير خطابها في تقديم وتعريف المصالح الوطنية بوضوح وشفافية للرأي العام الأردني، والكف عن تقديم خطاب العواطف على المصالح؛ فالأيام القادمة حبلى بتحولات واسعة وجذرية وأكثر إثارة، سيكون المحك الحقيقي فيها القدرة على إدارة المصالح على أساس الندية والاحترام والاعتراف، أكثر من أي شيء آخر.
( الغد )