هذه المرة.. من يكسر الجرّة ؟؟

من التقاليد التي رسختها القضية الفلسطينية وهي كثيرة، ان اي اجتماع عربي او عقد اية قمة لا بد ان يكون مكتمل النصاب، لا من حيث عدد الرؤساء بل من حيث بلوغ عدد الشهداء الفلسطينيين الى ما يقارب المئة، اضافة الى الوف الجرحى، وحين يتوعد العرب اسرائيل باعادة النظر في مبادرة السلام، فان هذا بحد ذاته هو المضحك المبكي، لان اسرائيل ادارت للمبادرة منذ اطلاقتها ظهرها تماما، مثلما اطلقت النار على اوسلو الذي يتحدث عنه البعض كما لو كان حيا معافى، وهو في الحقيقة جيفة فاحت رائحتها وزكمت الانوف لكنها لم تدفن، لان موعظة كرامة الميت دفنه لا تشملها!
ان ما يخيفنا -بل تحول الى فوبيا في اعماق ذاكرتنا- ليس اسرائيل وكل ما لديها من سلاح سواء كان تقليديا او نوويا او اباديا شاملا، بل هو الطريقة التي نقرأ بها دمنا، لكأن سطورة مكتوبة من اليسار الى اليمين او بلغة اعجمية لا علاقة لها بالابجدية..
هذا النمط من القراءات الاسقاطية والرغائبية ادمناه منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وكررناه في حرب حزيران 1967 وفي حروب الخليج الثلاث، لاننا نصّر على ان نرى ما يرون لنا ان نراه وان نسمع اصداء اصواتنا فقط.
فالعرب ليسوا في حال يتصدون فيه لاسرائيل او يعلنون الحرب عليها، لان ما يعلنونه بل ما اعلنوه عليها هو السلام الذي ادارت له ظهرها، لكنها جعلت مقدمات دباباتها وجرافاتها وجها لوجه معه!
وعلى سبيل المثال لدينا الف طريقة وطريقة لدحض كل اطروحات نتنياهو منذ اصدر كتابه مكان تحت الشمس، حتى هذا الائتلاف المتطرف الذي يريد منه ومن خلاله تهويد الدولة والقدس وعبرنة فلسطين كلها، لدينا ضده غير حروف اسمه التي تتكون من نتن وياهو فهذا امر لا قيمة له، ويحرفنا عن الادانة الحقيقية، ولدينا ضده غير لجوئه الى المخبأ بسبب الصواريخ القادمة من غزة، لكن العقل السياسي الغنائي والافقي يذهب بنا الى الترميز والتفاصيل التي تعوضنا عن خسائر كبرى.
وما نخشاه ايضا هو ان تلجأ النظم الربيعية الى تعبيرات رمزية وبروتوكولية فقط، كي تثبت لنا بان الدنيا تغيرت، وان اليوم لا يشبه البارحة، فان حدث ذلك على هذا النحو الرمزي فقط، فان اليوم اسوأ من البارحة لان اخفاء اليد المقطوعة تحت المعطف او في الجيب اقل صراحة من اشهارها!
كانت حصيلة يومين من قصف يمهد لعدوان بري اكثر من خمسين شهيدا ومئات الجرحى وكالعادة بينهم اطفال لم يطلقوا صواريخ بل اطلقوا صرخات استغاثة لم تصل!
فهل قدرنا ان نفعل ما يجب فعله بعد الاوان!؟
اما من يطالبون الاخوين اللدودين فتح وحماس بالاتفاق، فان عليهم ان يتذكروا بان فاقد الشيء لا يعطيه. ففي معظم اقطارنا العربية ثمة اسماء اخرى غير فتح وحماس لمن يأكلون لحم بعضهم احياء وموتى، ولعل ما سيشجع اسرائيل هذه المرة على المزيد من القتل والتدمير هو ما يسمعه العالم عن عدد القتلى العرب بايدي العرب.
وقد يقول البعض ممن شردوا ويتموا وثكلوا عشرات الالاف من ابنائهم لنتنياهو ابشر بطول سلامة يا مربع..
اللهم الا اذا كان الوعيد هذه المرة من جياع غزة والمحاصرين في احشائها وليس من فرزدق الجامعة العربية!!
( الدستور )