حول عرض السفير الإيراني للأردن
.jpg)
كان مثيرا ما تردد عن عرض السفير الإيراني في عمان بتزويد الأردن بنفط مجاني لمدة 30 سنة، مقابل علاقات تجارية وسياحة دينية، لكن السفير ما لبث أن عاد وأوضح الأمر بأن العرض لم يكن بهذه الصيغة، وأن ما قاله هو العمل على تشكيل لجان مشتركة بين إيران والأردن من أجل تزويده بالنفط بسعر تفضيلي، على أن يتم سداد قيمته من خلال التبادل التجاري بين البلدين، ومقابل أن يقوم الأردن بتصدير ما تحتاجه إيران من فوسفات وبوتاس والعديد من الصناعات الأردنية المتميزة.
رغم التراجع في طبيعة العرض؛ بين الأول المغري، والثاني (الجيد نسبيا)، فإن الأمر يبقى مطروحا للنقاش، لاسيما أن جوهر المسألة بحسب ما يمكن أن يفهمه المراقب من عموم المؤشرات والتوقيت هو ارتباط العرض بموقف أردني مختلف حيال الثورة السورية، في ظل ضغوط ومناشدات من أطراف عربية ومن تركيا عنوانها دعم الثورة كبديل عن موقف الحياد الراهن.
هنا تنشأ أسئلة كثيرة تتعلق بالمكاسب والخسائر الحقيقية التي يمكن أن تترتب على الصفقة، والتي لا تتعلق ابتداءً بما يقال عن مخاوف البعض من مسألة السياحة الدينية، وارتباطها بالتشييع، لأن حجم الحشد المذهبي في المنطقة لا يسمح بشيء كهذا، فضلا عن أن الخطاب الشيعي ليس على هذه الدرجة من السطوة والإقناع، بحيث يهدد مذهب غالبية الأمة بتلك البساطة، بل ربما العكس هو الصحيح لولا تمترس الناس خلف ما يرثونه من قناعات دينية في غالب الأحيان.
من الواضح ابتداءً أن الأزمة التي يعيشها النظام الإيراني وحلفاؤه بسبب الأزمة في سوريا ليست من النوع اليسير، وهم لأجل التخلص من هواجسها يمكن أن يدفعوا أكثر مما يتوقع البعض، وإذا كانوا حتى قبل أكثر من شهر قد دفعوا ما يزيد عن 10 مليارات دولار في سياق الحفاظ على بشار من دون أن تلوح في الأفق معالم إنقاذ حقيقي، فإن بوسعهم أن يدفعوا أكثر من ذلك إذا توفرت فرصة لإنقاذه.
بشار ركن إستراتيجي في مشروع التمدد الإيراني، وإذا سقط ستصبح منجزات إيران في العراق ولبنان برسم التهديد. أما الأسوأ فيتمثل في تهديد وضع المحافظين في الداخل الإيراني الذين ستحاسبهم الجماهير على مشروع دفعوا فيه الكثير من ثروات الشعب الإيراني من دون أن يصل إلى نتيجة مقنعة (طبعا في حال الفشل في حماية بشار).
من هنا فإن نظام المحافظين في إيران إنما يدافع؛ لا عن مشروعه في المنطقة فحسب، بل عن نفسه أيضا، ويمكنه تبعا لذلك أن يستقطب الكثيرين، ويدفع بلا حساب من أجل إنقاذ نفسه ومشروعه.
سيقول البعض: ولم لا يستغل الأردن هذه الحاجة الإيرانية الماسَّة ويستفيد منها للخروج من الأزمة الاقتصادية، وهو قول يبدو مقبولا بمنطق البراغماتية السياسية، وبعيدا عن البعد الأخلاقي المتعلق بإسناد نظام يقتل شعبه، أعني النظام السوري. لكن المشكلة أن الصفقة لا تبدو بهذه البساطة، والمكاسب قد لا تأتي وفق ما يشتهي البعض.
إن فرص بقاء نظام بشار في الحكم، حتى لو وقف الأردن إلى جانبه لا تبدو كبيرة بحال. صحيح أن موقف الحياد يطيل في عمره بعض الشيء، لكن النهاية تبدو واضحة لكل ذي عينين، سواءً جاءت بعد أسابيع أم أشهر، ومن يتابع الشأن السوري سيرى كيف بات الجيش السوري عاجزا عن الخروج من قواعده التي يكتفي بالدفاع عنها بإسناد من الطيران، بينما تتقدم قوى الثورة من موقع إلى آخر.
وإذا ما سقط بشار، فإن الأردن سيكون قد خسر الطرفين معا؛ الشعب السوري من جهة، والعلاقة إياها من جهة أخرى، لأنها لن تلبث أن تنتهي، سواء بقي المحافظون في الحكم، أم أطاحت بهم ثورة شعبية، أما الموقف الخليجي والتركي فلن يبقى على حاله، مع أن هذا البعد لا يبدو مهما إلى حد كبير في ظل ما يمكن وصفه بحالة عربية مترددة في دعم الثورة السورية، ربما باستثناء قطر والسعودية، ثم مصر وتونس ودول أخرى من ناحية سياسية. ويبقى سؤال يتعلق بالموقف الأمريكي الإسرائيلي، والذي قد لا يمانع في علاقة من هذا النوع ما دامت لن تؤدي إلى تهديد مصالح الدولة العبرية، وتكتفي بتهديد الثورة السورية التي وقف الطرفان ضدها من الناحية العملية بمنع تركيا وبعض العرب من تسليحها بالسلاح النوعي، ويبقى أن اعتراضا قد ينشأ هنا في حال أخلت العلاقة الجديدة مع إيران بنظام العقوبات المفروض عليها.
من هنا يبدو العرض في حاجة لدراسة أكثر عمقا، لكن الميزة الوحيدة التي يمكن أن تترتب عليه تتمثل في مبادرة بعض دول الخليج إلى دعم الأردن من أجل إبعاده عن إيران، لكن أمرا كهذا لا ينبغي أن يكون بديلا عن عملية إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي تُخرج البلد من أزمته الراهنة.
( الدستور )