الربيع العربي بين استبدادين

"نهرب من تحت الدلف لنقع تحت المزراب". ولا احد بات متيقنا مما يجري، ولا إلى أين نحن ذاهبون؟!. لا استخلاصات من الدروس في الأردن والميادين العربية التي شهدت المراحل الأولى من الثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية. لا أحد يفكر في اختصار زمن الآلام على شعوبنا ومجتمعاتنا التي عانت ولا تزال تعاني الأمرين. فليس هناك أسوأ من استبداد السلّطة الحاكمة، إلا استبداد وجهل القوى السياسية البديلة للأنظمة السابقة. والمقصود بالجهل هو إنكار مصالح الناس والشعب والثورة، على الرغم من العلم بها، ومعرفتها، لا بل والتسلق عليها للوصول الى السلطة السياسية. ولكن ماذا عن القوى السياسية والاجتماعية على الضفة الأخرى من المشروع الوطني؟. في مصر، وبغض النظر عن حجم التدخلات الدولية في نتائج الانتخابات الرئاسية، إلا أن القوى الديمقراطية على اختلاف تلاوينها لم تحظ بفرصة الجولة الثانية من الانتخابات. بسبب تبديد طاقاتها، وهدر إمكانياتها المتعددة بين المتنافسين من أصحاب اللون الوطني والديمقراطي الواحد. القضية الجوهرية هي تغيير نظام الاستبداد في مصر، وليس رموز النظام، وهذا لم يحدث حتى الآن... ولكن الفصل الثاني من ثورة التغيير المجيدة بدأت برسم ملامحها مرة أخرى في ميدان التحرير الذي يشهد احتجاجات شعبية واسعة وعنيفة ضد الإعلان الدستوري (الاستبدادي) الذي قدمه الرئيس الإخواني. الآن يمكن القول إن مرحلة جديدة من النهوض الثوري الأكثر نضجا قد بدأت لأنها تستند الى تفاعل كل القوى السياسية والاجتماعية الرافضة للاستبداد والمتجهة نحو العدالة الاجتماعية، وتحقيق المشاركة الشعبية، والإقرار بالتعددية والرأي الآخر. مصر الكبيرة، يليق بها أن تبدأ هذا النوع من الثورات الديمقراطية والشعبية لتكون ملهما لكل الشعوب العربية، ولتسجل درسا تاريخيا إضافيا ضد الاستبداد والقهر الذي رفضته الأمة المصرية على امتداد تاريخها. في الأردن تتغنى كثير من القوى بالنموذج المصري وتعلن صباح مساء رفضها لأشكال الفرقة الوطنية والاستبداد السياسي. ثم، تتهاوى هذه الدروس عند أول محطة اختبار. جرس الإنذار يعلو صوته بعد أن مني مشروع الجبهة الوطنية للإصلاح بزعامة أحمد عبيدات بالعزلة والتطرف والضمور، بدلا من أن يتسع لجميع القوى المطالبة بالإصلاح على قاعدة جوامع وطنية مشتركة، واعتماد آليات ديمقراطية تستند إلى مشاركة الجميع في القرار. ولجنة تنسيق أحزاب المعارضة، اكتفت بإصدار البيان السياسي منذ بدء الحراك الشعبي قبل سنتين. والمشروع الديمقراطي الوطني ما زال مشردا يتيما، ويُنقل من كتف إلى كتف، دون أب ولا أم. فعلى من تقع مسؤولية هذا المشروع من أجل حماية الوطن والشعب، بعيدا عن البحث عن الأوهام والحلول الذاتية؟. الذين ساهموا في عملية فكفكة أوضاعنا بعد أربعين عاما من البيات الشتوي، مطالبون أن يساهموا بجدية في عملية التركيب الديمقراطي الحقيقي، و أن لا يتركوا لقوى ظلامية أن تمد سطوتها على مجتمعاتنا المدنية.
( العرب اليوم )