موقف بريطاني لااخلاقي

تم نشره الجمعة 30 تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 03:36 صباحاً
موقف بريطاني لااخلاقي
عريب الرنتاوي

تتصدر المملكة المتحدة قائمة المناهضين لحصول فلسطين على مكانة “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، برغم أنها قررت بخلاف الولايات المتحدة، “الامتناع عن التصويت” على مشروع القرار الفلسطيني، وليس التصويت برفضه.

في تفاصيل الموقف البريطاني، كما أوضحها وليام هيج أمام مجلس العموم، أن بلاده كانت لتصوت لصالح مشروع القرار الفلسطيني، لو التزم الرئيس عباس بأمرين اثنين: الأول، العودة فوراً، ومن دون قيد أو شرط إلى مائدة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، متبنية بذلك مواقف “اليمين واليمين المتطرف” في إسرائيل..والثاني، تعهد الرئيس الفلسطيني بعدم طلب عضوية محكمة الجنايات الدولية وإخضاع إسرائيل للقانون الدولي، فأي نفاق هذا؟.

بدا السيد هيج متحمساً لموقفه هذا، لدرجة أنسته مضمونه “اللا أخلاقي”، فإذا كانت إسرائيل غير متورطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فما الذي يخشاه هيج وبريطانيا وتخشاه إسرائيل، أما إذا كانت متورطة فعلاً في مقارفة مثل هذه الجرائم، فمن الخزي لدولة كبرى، تفاخر بقيم الحرية والعدالة وسيادة القانون، أن تتصدر قائمة المتزعمين لحماية مجرمي حرب..ومن المؤسف حقاً، أن نسمع من بريطانيا من يروّج لنظرية “الإفلات من العقاب”، ومن يدعم فكرة أن “القانون” لا يطبق إلا على الضعفاء، أما الأقوياء المدججين بـ”العنصرية” و”النووي” و”الانحياز الأعمى”، فهم طلقاء وخارج القانون، حتى ويقتلون الأطفال والنساء ويدمرون المنازل على رؤوس عائلات بأسرها.

هذا الموقف يظهر نفاق “بعض الغرب” ولا أقول كل الغرب، فثمة دول غربية عديدة، اتخذت مواقف تنسجم مع الحق والعدل والكرامة الإنسانية، وثمة في بريطانيا، من لا يوافق هيج على مقاربته تلك..لكن بعض الحكومات، ذات الماضي الكولونيالي أو تلك التي لم تخرج بعد من “عقد الذنب” التي رافقت صعود النازية والفاشية إلى سدة الحكم فيها، ما زالت تواصل سياسة عدائية للشعب الفلسطينية، ومنحازة لا لإسرائيل وما يقال أنه حقها في الوجود، بل وللتوسعية والعدوانية الإسرائيلية البالغة حد التورط من الرأس حتى أخمص القدمين، في “جرائم الحرب”.

ثم أن السيد هيج بإدراجه “العودة الفورية وغير المشروطة” للمفاوضات، كأحد شرطين للتصويت بنعم لصالح مشروع القرار الفلسطيني، يكون قد أعلن رسمياً تبني حكومته، للموقف الإسرائيلي الذي يُحمّل الفلسطيني وزر انهيار المسار التفاوضي، وهذا زيف ما بعده زيف، فالسيد هيج والحكومة البريطانية، يدركان تمام الإدراك أن هذا المسار تعطّل مع مجيْ حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، وأن الفلسطينيين، ما كانوا منذ أوسلو على أقل تقدير، عقبة في طريق السلام، وأن ما أسقط هذه العملية وواراها الثرى، هو الإصرار الإسرائيلي على التوسع والاستيطان والعدوان والحصار والتهجير..لكن الانحياز الأعمى لإسرائيل، هو ما يدفع الحكومة البريطانية، لقلب الحقائق، وهي التي تعرف تمام المعرفة من هو “الطرف الشرير” في هذه المعادلة.

إذا كنا نتفهم (ولا نوافق) المواقف الألمانية الممهورة بخاتم “الهولوكوست اليهودي”، فإن لدينا من دواعي الاستغراب والاستنكار للموقف البريطاني، ما يجعلنا نتساءل: أليست بريطانيا الانتدابية، هي المسؤول الأول (وقد لا يكون الأخير) عن “الهولوكوست الفلسطيني”..أليست هي “مُصدرة “ وعد بلفور” المشؤوم وراعية مشروع زرع إسرائيل على حساب فلسطين أرضاً وشعباً وهوية؟..متى ستتملك بريطانيا “عقدة ذنب” حيال الفلسطينيين شبيهة بـ”عقدة الذنب” الألمانية تجاه اليهود؟.

المؤسف حقاً، أن بريطانيا لم تكتف باتخاذ هذا الموقف “الابتزازي” و”اللا أخلاقي” فحسب، بل هي تقود إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل و”ماكرونيزيا العظمى” الحملة الدولية على المشروع الفلسطيني، ساعية لمنع دول أوروبية من التصويت بـ”نعم” لصالحه، ومُحشّدةً الجهود لتقليص عدد الأصوات المؤيدة لهذا القرار، بعد أن فشلت محاولات هذا “التحالف غير المقدس” في ثني الفلسطينيين على المطالبة بأقل القليل من حقوقهم، وهو تفعيل قرار دولي صدر قبل خمسة وستين عاما، وعلى مساحة من الأرض، تقل بكثير عمّا منحه “قرار التقسيم” للفلسطينيين من أرض، هي في الأصل أرضهم، من الناقورة إلى إيلات، ومن النهر إلى البحر.

ومما يزيد الطين بلّة، أن تنطح هيج لإعاقة مجرى العدالة الدولية والقانون الدولي في فلسطين، يقابله حماس منقطع النظير للعدالة وسيادة القانون عندما يتصل الأمر بملفات وجرائم قارفها زعماء وقادة عرب ومسلمون..لكأن يحق لإسرائيل وحُماتها ورُعاتها، وحدهم دون سواهم، انتهاك هذا القانون وإلقاء قيم العدالة في سلة القمامة، أو لكأن كل ما يصدر عن هؤلاء هو القانون الدولي الإنساني بعينه، حتى وإن انطوى الأمر على قتل الأطفال والنساء واغتيال الناشطين واحتلال الأرض وزرع المستوطنات غير الشرعية.

نحمد الله أن بريطانيا لم تعد “عظمى” على الساحة الدولية، وإلا لكنّا اليوم أمام “وعد بلفور 2”، يُمهد لالتهام الضفة الغربية بعد أن مهد “بلفور 1” لالتهام 78 بالمائة من فلسطين التاريخية...ونحمد الله أن هذه الضغوط لم تجد طريقها للقبول لا عند القيادة الفلسطينية، ولا عند الدول التي كانت تُعرف ذات يوم بـ”المستعمرات”..فالفلسطينيون ذاهبون إلى نيويورك، وعندما سترى هذه العُجالة النور، ستكون فلسطين قد صارت دولة “غير عضو” في الأمم المتحدة، رضي السيد هيج أم كره.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات