التكويع عند أول منعطف

إذا كانت هناك ملاحظات على شكل الحوار الذي يُجريه رأس الدولة مع شخصيات مختارة، في موضوع المكان والأسماء، فإن هذا يتحمله الجهاز الإداري المعني في ترتيب هذه اللقاءات وكيفية اختيار الأسماء، لكن هذا لا ينتقص أبدا من قيمة الحوار وأهميته وضرورة تعزيزه، وتوسيعه لحوار وطني عام قد يزيل الغُمَّة السياسية عن قلب البلاد.
في اللقاءات العديدة التي جمعت رأس الدولة - مع عدد واسع من الفعاليات السياسية والحزبية وشخصيات قريبة من الحراك، هناك توجُّه رسمي لاستيعاب حالة الغضب الشعبي والاستفادة من الدروس المحيطة بنا عربيا - كما شهدت هذه اللقاءات حرص الأطراف جميعها على سلمية الحراك الشعبي، وصيانة هوية الدولة الأردنية، والتقدم بخطى حثيثة نحو الاصلاح الوطني الديمقراطي الذي لا غنى عنه كرافعة رئيسية من روافع العمل الوطني واستقرار الأمن الاجتماعي والسياسي. ووحدة وتماسك الوضع الداخلي في البلاد.
لكن هذا لا يكفي، وبات مطلوبا التقدم بخطى حثيثة وجريئة من جانب المؤسسة الرسمية للحكم باتجاه فتح حوار وطني شامل، وطمأنة المواطن على استعادة حقوقه المنهوبة من قبل الفاسدين، وهذا يتطلب فتح ملفات الفساد ومراجعة اتفاقات الخصخصة، واستعادة الدولة الأردنية لأصولها المباعة.
الحفاظ على استقرار الوضع الداخلي هو مسؤولية الجميع ولكن هذا يحتاج إلى إحداث تغيير جَدِّي من قبل مؤسسة الحكم في الرؤى الاصلاحية والاجتماعية والسياسية.
هذا في الكلام السياسي الموزون الذي يمكن أن يوضع على طاولة الحوار الوطني الجاد والمثمر، أما في الانطباعات عن الحوار غير الممنهج الذي وقع في الأيام الماضية، فإن معظم الشخصيات المحسوبة على المعارضة وخاصة المتطرفة منها، لا يحتاج الأمر معها سوى جلسة واحدة حميمية مع رأس الدولة، وبعد ذلك تسمع منها خطابا مختلفا، ولغة ناعمة، وانشراحا يظهر في قسمات الوجنتين، وساعات من وصف الحالة، والود العالي والانفتاح، والطبطبة على الظهر.
تكتشف أن اللغة العنيفة، والمعارضة الجذرية، وشلال الاتهامات، تذوب مع أول جلسة استماع مباشر، وترى المعارضون "يُجَلِّسون" في خطاباهم، وكأن ما تسمع منهم غريب عما كانوا يقولون سابقا.
تسمع يساريا مخضرما يطرح حالة الطوارئ حلا للاستعصاء السياسي ومدخلا لحل مشكلة مقاطعة الانتخابات!!.
وترى مناضلا ينسى خطاباته الشهيرة، ويتوسع في خطاب الموالاة اكثر من المعارضة، ويرفض أي تعديل على الدستور، ويتهم دعاة التعديلات الدستورية بالعدمية!!.
ومثلما هي السياسات الرسمية ضبابية، فإن اجنحة المعارضة أكثر ضبابا، فهناك معارضون جدد متطرفون شعاراتهم وممارساتهم غير مفهومة، لكنك تكتشف بسهولة أن خيطهم مربوط بجهة ما، وبسياق حملات معروفة أجنداتها، يُكوِّعون عند أول منعطف، وينقلبون مع كل مسؤول جديد.
في الأردن لوحدها، تسمع عن معارضين مرتبطين بدوائر الدولة، وينفذون أجندات خاصة.
معارضون بعد التقاعد من الوظيفة، وموالون بعد أول غمزة.
( العرب اليوم )