البذاءة السياسية

في بعض الأدبيات يصنّفون الكذب إلى عدة ألوان، وقد اشتهر اليوم الأول لشهر نيسان (إبريل) على أنه اليوم العالمي للكذب.
أما عند بعض الأقوام فإن "الكذب ملح الرجال"، وحتى الشعر لم يسلم من ذلك، فقديماً قال العرب: "أعذب الشعر أكذبه".
وعلى ذمة زميل سوداني يعيش في لندن، هناك مقولة مشهورة في بريطانيا والولايات المتحدة هي: كيف تعرف أن السياسي يكذب؟ الإجابة: عندما ترى شفتيه تتحركان.. وبالمناسبة فإن السياسيين مثل المنجّمين، يكذبون حتى لو صدقوا.
للكذب دور كبير في حياة صانعي السياسة في الدول الديمقراطية خاصة، وغير الديمقراطية عامة، حيث أثبتت الأبحاث أن الناخبين يتوقّعون من السياسيين أن يكذبوا عليهم، بل ويطلبون منهم ذلك في بعض الأحيان، هذا وإن برّر السياسيون الكذب في حملاتهم الانتخابية لكسب أصوات الناخبين، إلا أنهم يمارسون شكلاً من ألعاب الورق التي تتطلب من اللاعب بذل المستطاع لعدم الكشف عما بحوزته من أوراق.
يقولون إن السياسي الجيد هو الذي يكذب، ويصرّ على الكذب حتى يصدقه الناس. ويتعلم السياسيون في علم السياسة بعض المبادئ؛ ومنها "ليس من الخطأ أن تكذب، إنما الخطأ أن يكتشف الناس أنك تكذب".
المواطن تعوّد أن يكون هدفاً لشعارات ووعود كاذبة تدغدغ طموحاته وتواسي آلامه، رغم أنه يعرف من خلال التجربة أن أكثر هذه الوعود لا تتحقق، لذا فإن الزعيم أو السياسي لا يجد غضاضة في إطلاق الوعود الطموحة، رغم علمه المسبق بعجزه عن تحقيقها، كما أن الشعوب تكذب على قادتها بشعارات "بالروح بالدم نفديك يا زعيم"، وعندما يقع الزعيم في مشكلة لا نجد من يساعده في الخروج منها.
نعم، هناك أصوات ظلامية أصابها العطب وأضاعت مشروعيتها، وفاعليات فقدت اتزانها وتعمل على تبديد أجواء البهجة، ولكن يبقى دور المتنورين في مواجهتها ومقاومة برامجها وأهدافها، لا الاعتراف بشرعيتها...
الظلاميون موجودون في كل مكان، يريدون أن يسنّوا قانوناً يقطع أيدي الجائعين، قبل أن يؤمّنوا لهم رغيف الخبز.
في الفترة الاخيرة دخل إعلاميون على خط الكذب، واصبحوا يروجون بضاعتهم الفاسدة بالكذب والهراء والبذاءة السياسية، ولا يتورعون بأن يدسوا السم في كتاباتهم، مع انهم يعرفون ان ما يطرحونه منبوذ من كل الاطراف، لكنها أمراض لم تعالجها نسمات الربيع العربي.
كلمات تتسم بالعنصرية والتحريض، ودعوات للقتل الاهلي، وعقد مرت سنوات على غسلها لكنها بقيت نابضة في عروق مريضة لا تعرف مصالحة مع الذات فكيف مع الاخ الاخر.
اشباه سياسيون يتوهمون انهم اصحاب القرار الاول والاخير، وناطقون باسم الوطنية، وغيرهم خونة، ويهددون شعبهم بلباس الكاكي.
في زمن النضال الحقيقي تساقطوا فرعا فرعا من احزابهم، وفي النضال في زمن الارتخاء حملوا اقلامهم، ووجهوها الى صدور إخوانهم، لا إلى صدر العدو الحقيقي.
( العرب اليوم )