العودة إلى سياسة المحاور

رشحت بعض الأخبار التي تؤيدها مؤشرات كثيرة ومتعددة على الأرض بأنّ هناك جهوداً تبذل من أجل العودة إلى سياسة المحاور السابقة في العالم العربي أو ما يطلق عليه "الشرق الأوسط"، التي كانت بدعم أمريكي ـ صهيوني واضح في السنوات السابقة، وذلك عندما تمّ تقسيم دول المنطقة إلى حلف الاعتدال، وحلف الأشرار، وكانت مصر والسعودية ومعظم دول الخليج على الجملة، والأردن، تمثل تحالف دول الاعتدال، أمّا الحلف الآخر، فكان يشمل سورية وإيران وقوى سياسية محلية، ودولاً أخرى، أمّا الآن وعلى ضوء التغييرات الكبيرة التي قادتها الشعوب العربية ضد بعض الأنظمة الاستبدادية، يجري التفكير في إعادة ترتيب الاصطفاف العربي وفقاً لنظرة جديدة.
أثناء ثورة الشعوب العربية، كانت السياسة الخارجية الأمريكية المعلنة والسياسة "الإسرائيلية" الصامتة، تتبع خط عدم مصادمة الثورات الشعبية العربية صراحة، وكانت تختبئ خلف شعار إنساني عام يدور حول حق الشعوب العربية بالانتقال نحو الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وحقها في اختيار زعمائها، لكنّهم ليسوا سعداء بالنتيجة على كلّ الأحوال؛ لأنّهم لا يريدون لهذه الشعوب أن تكون حرّة وأن تكون مطلقة الإرادة، ولذلك بدأت تفكّر برويّة، كيف تحبط هذه الثورات، وكيف تفشل عملية التحول نحو الديمقراطية، وكيف تمنع التقدم الحقيقي نحو الاستقرار التامّ الذي يفضي إلى التمكين وامتلاك أوراق القوّة.
أول مؤشرات هذا المخطط تتجلّى بتحريض بقية الدول العربية التي لم تشهد عملية التحوّل بعد ضد الإصلاح والتغيير، من خلال الهجوم الممنهج على القوة السياسية الأكبر التي تقود عملية التحوّل الديمقراطي، وتشويه القائمين على الثورة، والطعن بأهدافها وغاياتها، وشيطنتهم بطريقة مرعبة، ممّا يقتضي تشكيل تحالف قوي وبناء حائط صد، وجدار ممتنع يحمي هذه الدول من انتقال عدوى الديمقراطية، ونواة هذا الحلف تتألف من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن ضد التحالف الآخر الذي يراد تشكيله من مصر وتركيا وتونس وقطر، بمعنى آخر ايجاد قوة عربية رسمية مدعومة بالمال الخليجي لإفشال مخطط "الإخوان المسلمين" في الاستيلاء على السلطة والتمدد في المنطقة.
وتفيد الأخبار الراشحة من مصر بأنّ هناك وثائق تثبت عبور أموال لجهات محددة وأطراف معادية لمجمل التغيير الذي جرى في مصر والعالم العربي لأسباب ودوافع شتّى؛ بعضها مصلحي وبعضها ثأري وبعضها فكري أيديولوجي؛ من أجل إرباك المشهد المصري، وإفشال الثورة، وإفشال مجرى الانتخابات بشكلٍ حاسم، ومنع المجالس المنتخبة من ممارسة دورها الدستوري، وخلق حالة من الفراغ والفوضى، بل تفيد بعض المعلومات بتوزيع الأسلحة، وممارسة عمليات قتل وقنص وحرق وتدمير، واقتحام فوضوي لمقرات بعض الأحزاب ولقصور الرئاسة؛ من أجل إلهاب مشاعر الحقد المتبادل بين الأطراف، وتعميق الانقسام الشعبي الحادّ المفضي إلى تعطيل الحياة السياسية، وتأزيم الأحوال المعيشية للمواطنين من أجل ايجاد بيئة شعبية كارهة لعملية التحوّل الديمقراطي.
أعتقد أنّ العودة إلى سياسة المحاور، سياسة غير حكيمة، وتنمّ عن توتر وانفعال وسلوك نزق لدى بعض الأطراف الرسمية العربية التي تقف على حافة الانتظار، ولن تنجح في إطفاء غضب الجماهير العربية الطامحة للتغيير والحرية والديمقراطية. وينبغي التوقف عن اية محاولة تفكير لزج الأردن في هذا التحالف الفاشل؛ لأنّ خوض المعركة ضد الشعوب معركة خاسرة بكل المقاييس، إضافة أنّها تلحق ضرراً فادحاً بالدولة الأردنية واستقرارها ومستقبلها.
كما أنّ اللجوء إلى سياسة تعبئة القوى القومية وقوى اليسار واستخدامها ضد الحركات الإسلامية، من أجل إفشال عملية التحول الديمقراطي، سوف يؤدي إلى إحداث شرخ مجتمعي حاد، وانقسام وطني كبير، يلحق الضرر البالغ بمستقبل دول المنطقة وقوتها، ولا يعود بالفائدة ولا يخدم إلاّ الكيان الصهيوني وعملاءه، ويكمن الحلّ باللجوء إلى لغة العقل والحكمة التي تفضي إلى التوافق والمشاركة؛ بعيداً عن سياسة التحريض والتعبئة المضادة وكلّ أشكال الانقسام والفرقة داخل المجتمع الواحد التي يمتهنها قصار النظر .
( العرب اليوم )