هل هو «حلف جديد» حقاً؟!

في الجدل الدائر حول «الحلف الجديد» الآخذ في التشكل - كما يقال- بين النظام واليسار، ثمة فراغات في الجُمل المستخدمة، لم تُملأ بعد، وثمة أسئلة مفتوحة توحي بأن نجما قد بزغ من رحم الأزمة الوطنية العامة؟..عن أي يسار نتحدث، وما صلة كل هذا وذاك، بالعلاقة الملتبسة القائمة ما بين الإسلاميين من جهة، وكل من النظام واليساريين من جهة ثانية. حث عن إجابات شافية..هل حقاً أننا أمام حلف من هذا النوع؟..هل يكفي تنظيم لقاءٍ أو اثنين للقول إن تحالفا قد تم ؟
يأخذ اليساريون على الإسلاميين أنهم كانوا طوال سنوات الحرب الباردة -وما بعدها قليلاً-، في حلف «غير مقدس» مع النظام، مكّن «الإخوان» من الاحتفاظ بكل عناصر القوة والاقتدار والديمومة، فيما النشطاء والقادة من جبهة القوى اليسارية والقومية، كانوا عرضة للاعتقال والإبعاد والنفي والتهميش..ويرد خصوم الإسلاميين ومجادلوهم، أسباب ضعفهم من جهة وقوة الإخوان في المقابل، إلى تلك الحقبة الغاربة.
إن هذه المقاربة -وإن كانت تنطوي على قدر كبير من الصحة- لا تكفي لتفسير ظاهرة الصعود الإسلامي في الأردن، كما أنها عاجزة عن تفسير ظاهرة ضعف وتفكك اليسار والقوميين..في مصر وسوريا وتونس والعراق، لم يكن الإسلاميين على علاقة وئام مع النظم التي كانت قائمة هناك، ومع ذلك صعد الإسلاميون هناك وتعزز نفوذهم، فيما ظلت القوى اليسارية القومية تراوح في مربعات الأزمة والتفكك والتبعثر.
اليوم، يطرأ «تعديلٌ» على هذه المقاربة كما يبدو..إن جاز لكم أن تأتلفوا مع النظام طوال تلك السنوات العجاف، فلماذا لا يجوز لنا أن نفعل أمراً مماثلاً..؟!
وهل يحق لكم أنتم معشر الإسلاميين أن «تنهوا عن خلقٍ وتأتون بمثله»؟..وتقرأ في ثنايا الخطاب اليساري / القومي، ما يفيد بأن سنيّ الاعتقال والاستبعاد تعطي أصحابها «حصانة» مدى الحياة، فاليساري المعتقل سابقاً، يحق له أن يذهب إلى أبعد مدى في ترويج السياسات الحكومية والدفاع عنها وتبريرها، بما فيها تلك التي تنتهك كل ما نشأ عليه وناضل من أجله..وثمة من هؤلاء من يراهن على أنه قادر بـ»سيف الدولة» لا بسيفه، أن يعيد لنفسه مجداً غابراً، وحضوراً باهتاً.
والحقيقة أنه لا ضير في دخول الأحزاب والتيارات في ائتلافات وتحالفات متحركة ومتغيرة مع غيرهم من القوى السياسية، بمن فيها الحكومات والنظم..فالعمل السياسي لا يسير دوماً على صراط مستقيم..لكن شرط هذه العملية ومبررها، أن يحفظ المؤتلفون (هنا اليسار والقوميون تحديداً) هويتهم السياسية والفكرية، فلا يصبحون ديكوراً في الائتلاف الجديد، أو رأس حربة له، بل يدفعوا باتجاه دفع الائتلاف الجديد لتبني مواقفهم السياسية الإصلاحية وسياساتها الاقتصادية ببعدها الاجتماعي المعروف، فهل هذا حقيقة ما جرى ويجري أمام ناظرينا؟.
لقد رأينا شخصيات يسارية وقومية، تنشق عن أطرها وأحزابها وتلتحق بـ»الدولة»، بيد أنها سرعان ما كانت تتماهى مع أكثر اتجاهات البيروقراطية تطرفاً في رفضها للإصلاح واستبعادها للآخر..رأينا وزراء قوميين كانوا أكثر «عُرفية» من وزراءٍ للداخلية جاءوا من صلب المؤسسة الرسمية (من داخل الملاك)...رأينا وزراء يساريين، يزايدون على زملائهم في «يمينيتهم»...رأينا وزراء إسلاميين، انشقوا عن جماعتهم، أشد عداوة للجماعة وأكثر حماسة للإقصاء والاستبعاد.
دخلت الحركة الإسلامية الأردنية حكومات وخرجت منها كما دخلتها، لأنها دخلت كحزب وجماعة، وخرجت كحزب وجماعة..أما الأفراد فغادروها ليلتحقوا بمركب الحكومة أو البرلمان، وقد انتهوا إلى مواقع أخرى تماماً، وبعضهم انتهى إلى «نقيض» ما آمن به وعمل عليه.
إن جاز لنا أن نتحدث عن اليسار كأحزاب، فثمة ثلاثة أحزاب، اثنان منها قررا المقاطعة أو عدم المشاركة..وواحد منها قرر المشاركة في الانتخابات المقبلة..وثمة حركات وتيارات يسارية أخرى -غير مسجلة كأحزاب- ما زالت على مواقفها السياسية والفكرية.. لكن هناك أفرادا وشخصيات، بعضهم بدوافع شخصية، وبعضهم الآخر بدوافع سياسية معادية للإخوان قلباً وقالباً، وأحياناً بدوافع إقليمية أو طائفية، تبدو الأكثر حماسة لهذا «الحلف»..ولكن هل يعقل أن يُسمى هذا حلفاً؟..أليس «الاحتواء الناعم» هو التعبير الأكثر دقة لوصف هذه الحالة؟..ومن باب أولى، هل ثمة من يصدق بأن هذا «الحلف» قمين بتعويض غياب الإسلاميين وحلفائهم عن المشاركة في الانتخابات والبرلمان القادمين؟.
( الدستور )