لعن الظلام

تم نشره الجمعة 08 آذار / مارس 2013 01:58 صباحاً
لعن الظلام
د. أحمد يعقوب المجدوبة

المعارضة في البلدان الديمقراطية تُعارِض لأنّ لها رؤى ومواقف وأفكاراً وبرامج محددة تختلف اختلافاً جوهرياً عن رؤى ومواقف وأفكار وبرامج من هم في السلطة. ومن هنا عندما تسعى بكل جهدها للوصول إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، تفعل ذلك بهدف تطبيق برامجها وخططها المبلورة والمعدة سلفاً، من منطلق أن تلك الخطط والبرامج تشكل بدائل عملية لما هو مطروح من قبل السلطة.
هذا ما يحصل في بريطانيا عندما يكون المحافظون في السلطة والعمال في المعارضة (أو العكس)، وفي أمريكا عندما يتسلم الديمقراطيون الحكم فيعارضهم الجمهوريون، وفي السويد وإسبانيا واستراليا واليابان وغيرها من الديمقراطيات المعروفة.
يخوض الناس انتخاباتهم وينجحون أو يفشلون فيها بناء على مدى وضوح أفكارهم وبرامجهم وخططهم وقدرتهم على إقناع الناس بها، ومن هنا تأتي أهمية المناظرات واللقاءات وما يجري في الحملات الانتخابية. وبعد الانتخابات، عندما يناقش ممثلو السلطة والمعارضة في البرلمانات المشاريع المختلفة، يقدم كل منهم آراء وبرامج وأفكاراً واضحة حول العديد من القضايا: الاقتصادية و السياسية والاجتماعية والبيئية وغيرها. وسواء تم تبادل السلطة في تلك الدول وتقاسمها فإن الدينامية والحركة الديالكتيكية الناجمة عن الرأي والرأي الآخر والتلاقح بين الفكرة والفكرة المضادة هي التي تدفع عجلة تقدم المجتمع إلى الأمام.
الصراع السياسي في تلك الدول صحيّ وإيجابي لأنه صراع بين الموقف أو البرنامج، والموقف أو البرنامج المضاد، وليس بين الشخوص أو بين شخوص بلا مواقف أو برامج.
عندنا الأمر مختلف تماماً. يبدو أن مفهوم المعارضة مغلوط في كثير من الأحيان. فالمعظم يفهم أن المعارضة تكون بالرفض وحده لما يقدمه الآخر، دون إعطاء بديل عملي جاد واضح قابل للتطبيق، ويبدو أن الصراع مبنيّ على الأشخاص ومطامعهم، لا على الرؤى والأفكار والبرامج.
هذا ما نستشفه، على سبيل المثال، من معظم الشعارات أو البيانات الانتخابية لمرشحينا أو ما نستشفه من مواقف برلمانيينا عند مناقشة أفكار الحكومة. في الحالة الأولى (أي الانتخابات) لا نرى سوى شعارات رنانة براقة ليس لها بعد تطبيقي تنفيذي: مثل "معاً لمحاربة الفقر"، "أولويتنا القضاء على الفساد"، "الوحدة الوطنية أولاً"، "لا للخصخصة"؛ عناوين عامة غير مرتبطة برؤية محددة المعالم أو خطة أو برنامج. أما في الحالة الثانية (أي المناقشات والمداخلات في البرلمان) فلا نشهد – في أحسن الأحوال – سوى خطب إنشائية عاطفية انفعالية تقوم على مبدأ الرفض المتمثل بلاءات العرب المعروفة: لا لرفع الأسعار، لا لتخفيض الدعم، إلخ. في أسوأ الأحوال بالطبع، نرى ما ترون في الساحة الآن: مناكفات وصراخ وشتم وقدح واشتباك بالأيدي وسحب مسدسات.
والممارسات الأخيرة هذه هي أكبر دليل على انعدام الرؤية والإفلاس الفكري أو البرامجي. فلا يلجأ لمثل هذه الممارسات إلاّ من يفتقر إلى القدرة على الإقناع بالحجة والبرهان وإلى أدنى مستويات مهارات التخاطب والتواصل.
لم نسمع من بين كلّ ما سمعنا من العديد من الذين يركبون موجة المعارضة هذه الأيام برنامجاً واحداً بديلاً قابلاً للتطبيق أو فكرة مبتكرة جديرة بالتجريب.
ومع الأسف هذا ما نشهده في كل الدول العربية، بما فيها تلك التي احتلت فيها المعارضة موقع السلطة. وكأن المقصود بتداول السلطة عندنا هو تداول الوجوه في المواقع.
ندرك، بالطبع، مُحدِّدات برلمانيّينا و"قيادييّنا" الجدد. لكن اعتقدنا وما زلنا نعتقد أن مبدأ تداول السلطة يُتيح لمن ينغمس فيها، ما دام قد أتى إليها غير مهيأ لها وكأنه اشترى الفرس قبل أن يتقن فن الفروسية، فرصة للتّعلم ولتثقيف النفس وتهذيبها خطوة خطوة إلى أن نصل في يوم ما إلى برلمانيين وقياديين محترفين. نعي تماماً أن التغيير يتطلب وقتاً وأن التقدم سيكون بطيئاً بسبب عدم آهلية العديد في مجتمعنا لما هو مطلوب. ويمكن دوماً لمن لا تسعفه بنات أفكاره أو قدراته الذهنية على توليد رؤى ومواقف وبرامج أن يستعين بالآخرين، كما يفعل نظراؤه في الدول المتقدمة. المهم هو توفر النية الصادقة والإرادة.
يبدو أن المطلوب حالياً هو برامج تأهيلية تدريبية للبرلمانيين والقياديين الجدد عندنا وفي العالم العربي حتى يكونوا قادرين على أداء أبسط المتطلبات في الظروف الراهنة. وأنا أعني ما أقول هنا، ولا أقوله ساخراً. فالعمل السياسي المحترف له فنونه وأصوله وهو حرفة بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يكفي أن يكون الإنسان تاجراً غنياً أو أكاديمياً أو محامياً أو مهندساً حتى يكون سياسياً ناجحاً.
لكن من المهم، إن نسينا كلّ هذا، ألاّ ننسى الحكمة الأزلية التي نحن بحاجة ماسة إليها اليوم في العالم العربي: أن نضيء شمعة خير، ألف مرّة، من أن نلعن الظلام.

" العرب اليوم "

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات