تشافيز : آخر الزعماء المحترمين

سيذكر التاريخ، ليس تاريخ فنزويلا وحسب، بل التاريخ الذي تكتبه وتتذكره وتحفظه عن ظهر قلب شعوب العالم، الرئيس الراحل هوغو تشافيز بأحرف من نور، ذلك أنه قضى وهو ما زال يحتل قلوب وعقول الملايين من البشر، في كافة أرجاء المعمورة.
ورغم أن الرجل بدأ حياته السياسية بمغامرة عسكرية، إلا أنه ومنذ أربعة عشر عاماً، أمضاها زعيماً لفنزويلا، أدار بلاده وفق برنامج العدالة الاجتماعية، وظل صادقاً ووفياً لناخبيه، كما اتبع سياسة خارجية استندت إلى الكرامة، وانحاز لقضايا الشعوب العادلة وحقها في التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية للمركز الكوني.
رغم أنه كان رئيساً، إلا أنه ظل بطلاً شعبياً، وثائراً سار على طريق سيمون دي بوليفار، وتشي جيفارا، وسلفادور الليندي، وفيدل كاسترو، وربما تكمن أهمية الرجل في أنه شق عصا الطاعة على الهيمنة الأميركية بعد انتهاء الحرب الباردة، أي بعد زوال الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية التي كانت تدعم الشعوب وقوى الثورة العالمية في مواجهة جبروت الإمبريالية العالمية، لذا فإننا قد لا نبالغ لو قلنا إن فنزويلا / تشافيز أعادت الاعتبار لحرية أميركا اللاتينية واستقلالها عن النفوذ الأميركي الذي طالما نظر للجارة الجنوبية على أنها حديقته الخلفية.
كما أن برنامج تشافيز فتح الطريق إلى "تطوير" الثورة العالمية، من خلال ولوج الطريق الديموقراطي وتحول الثورة العالمية من العنف الثوري إلى الكفاح الديمقراطي، والتحول للثورة الاجتماعية، لذا فقد ساهمت فنزويلا في الحفاظ على المنجز اللاتيني في الاستقلال، ووضع الحد للأنظمة العسكرية التي كانت تتبع واشنطن.
وإذا كانت العدالة الاجتماعية هي شعاره وبرنامجه السياسي الذي حكم فنزويلا به داخلياً، فإن مواجهة واشنطن كانت العنوان الرئيسي لسياسته الخارجية، لذا فإن واشنطن لم تنظر له بالارتياح وسعت أكثر من مرة لأسقاطه، لكن التفاف الشعب الفنزويلي حول قيادته حماه وحمى برنامجه، لذا فقد شقت فنزويلا طريقها وأخذت مكانتها الإقليمية والدولية في عهده.
وحاول الرجل أن يشكل جبهة عالمية مناوئة لسياسة الهيمنة الأميركية، ورغم الاختلاف الأيديولوجي، إلا انه سعى لتشكيل هذه الجبهة مع دول الممانعة، فتوجه لإيران وسورية، وحين حوصر معمر القذافي في بنزرت بادر لتقديم حل يبقي على حياته، وقدم له ملجأ آمناً، لكن من الواضح أن القرار الغربي بتصفية العقيد جسدياً، كذلك كرامة القذافي، لم تكتب لذلك العرض النجاح.
برحيل تشافيز لم تخف الأوساط الأميركية، خاصة الجمهوريين، فرحتهم، كما تطلع أوباما نفسه إلى عهد جديد في فنزويلا، يعيدها إلى الحضن الأميركي، لكن ذلك منوط أولاً بخليفته، نائبه وبحزبه وبالشعب الفنزويلي، الذي لا شك أنه خسر برحيله قائده العظيم، لكن منجزاته، وما أرساه من قيم وإنجازات داخلية، هي الضمانة بأن تبقى فنزويلا على طريقها.
المفارقة أن واشنطن، التي تقود العالم بأسره الآن، تظهر مجدداً وكأنها على الجانب الآخر الذي تقف عليه شعوب العالم، فعلى عكس ما أظهرته الولايات المتحدة، عمت مظاهر الحزن على رحيل الرجل كل مكان، ومنها بلادنا فلسطين، التي وجدت فيه سنداً ومؤيداً وداعماً كبيراً لقضيتها الوطنية، بذا يمكن القول إن هوغو تشافيز كان آخر زعماء العالم المحترمين، لكن طريق العدالة الاجتماعية، الذي سار عليه، قد انفتح على مصراعيه، وبه وجدت قوى الثورة العالمية ضالتها، حيث من المتوقع أن تتسع القناعة بهذا المسار، طريقاً لتحرر الشعوب، من أجل تحقيق العدالة الكونية، وتحرير ثروات الشعوب، خاصة النفط والغاز من المحاولات المستمرة للولايات المتحدة والغرب عموماً للسطو عليها، وحرمان الشعوب من أن تكون هذه الثورة بالذات وسيلة لتقدمها الاقتصادي والاجتماعي، كما فعلت فنزويلا.
" الأيام الفلسطينية "