خيرالله خيرالله يكتب : لماذا للأردن مصلحة في الاستقرار؟
المدينة نيوز - رصد - : نشر الكاتب السياسي اللبناني " خيرالله خيرالله " مقالاً في صحيفة المستقبل اللبنانية الاثنين تحت عنوان لماذا للأردن مصلحة في الاستقرار؟ تحدث فيه عن المشاكل التي يعاني منها الاردن .
وأكد خيرالله في المقال ان الأردن تعمل للمحافظة على إستقرار سوريا ، مؤكدا ان ما حصل في الاردن يعتبر تعزيزا للجبهة الداخلية بغية مواجهة الاستحقاقات الخارجية .
المدينة نيوز تنشر لكم نص المقال :
تواجه الاردن مشكلتين كبيرتين مرتبطتين ببعضهما بعضا. مشكلتان، تهددان الاستقرار في المملكة. ولذلك تستوجبان حربين، او بالاحرى القتال على جبهتين. هناك المشكلة الاقتصادية المرتبطة بشح الموارد في البلد والتي تزداد سوءا مع استمرار تدفق اللاجئين السوريين بشكل يومي.
كان الخيار امام الملك عبدالله الثاني واضحا. هل يستسلم امام المشكلتين، أم يخوض حربا عليهما بما يخدم الاستقرار الاقليمي الذي للاردن مصلحة فيه. نعم، للاردن مصلحة في الاستقرار ولذلك تعمل على المحافظة عليه، او على الحدّ الادنى منه.
كلّ ما يمكن قوله أنّ الوضع الصعب الذي تعاني المملكة، لم يمنعها من اتخاذ المبادرات ان على الصعيد الاقليمي او على الصعيد الداخلي. فالاستسلام للازمات ليس قدرا. ما يدلّ على ذلك، المساعي الاردنية لاطلاق مراقبي الامم المتحدة في الجولان. نجحت الاردن في اطلاق هؤلاء بعدما بقوا محتجزين طوال ايام لدى مجموعة من الثوّار، ارادت عبرهم، تحقيق مطالب معيّنة.
لم يفكّر الذين احتجزوا المراقبين، الذي يشرفون على اتفاق فك الاشتباك السوري- الاسرائيلي، الذي وقّعه الطرفان في العام 1974، من اجل ان يتفرّغ النظام السوري لعملية وضع يده تدريجا على لبنان، في النتائج التي يمكن ان تترتب على تهديد المراقبين الدوليين. لم يدرك هؤلاء أنّ مثل هذه الخطوة يمكن ان تصبّ في مصلحة النظام السوري...او الاسرائيليين الذين لم يعد لهم همّ سوى التشجيع على مزيد من الاقتتال الداخلي في سوريا، حتى لو تطلب ذلك غض النظر عن وجود قوات تابعة للنظام في الجولان خرقا لاتفاق فك الاشتباك المعمول به.
اكثر من ذلك، هناك من يتحدث صراحة عن تسهيلات يقدّمها الاسرائيليون لقوات تابعة لبشّار الاسد، بما في ذلك تمكينها على الالتفاف على الثوّار عبر الخطوط التي تحت سيطرتهم في الهضبة المحتلة.
يشير اولئك الذين يتحدثون عن تسهيلات اسرائيلية للقوات الموالية للنظام السوري، الى حادث معيّن وقع قبل ايام في قرية بير عجم التي التفَّت عليها قوات النظام عبر الخطوط الاسرائيلية!
في كلّ الاحوال، هناك وعي اردني لمخاطر انهيار اتفاق فك الاشتباك في الجولان والذي لا يمكن ان يستفيد منه اي طرف، باستثناء اسرائيل التي تريد تكريس احتلالها للهضبة. فكان تدخل في محله ادى الى تفادي كارثة في احدى المناطق السورية البالغة الحساسية...
الى متى ستتمكن الاردن من المحافظة على الوضع القائم في الجولان الذي هو على مرمى حجر من اراضيها؟
في النهاية، يتوقف الكثير على مدى التواطؤ القائم بين النظام السوري والاسرائيليين ورغبة أهل النظام في تفكيك كلّ ما يمكن تفكيكه، بما في ذلك اتفاق فك الاشتباك في الجولان، قبل الرحيل عن دمشق!
تكمن أهمية الاردن في وعيها لهذه المخاطر ولخطورة استمرار الحرب الدائرة في سوريا على الامن الاقليمي، لكن ذلك لا يمنع الملك عبدالله الثاني من القتال على جبهة اخرى خدمة للاستقرار، او الحد الادنى منه.
هذه الجبهة هي الوضع الداخلي الاردني حيث ازمة اقتصادية حقيقية يحاول المزايدون، على رأسهم الاخوان المسلمون، استغلالها بطريقة بشعة. من حسن الحظ أنّ هذا الاستغلال لم يعد ينطلي على احد، خصوصا ان ليس لدى الاخوان نموذج ناجح يستطيعون تقديمه الى أيّ شعب من شعوب المنطقة، اللهمّ الاّ اذا كانوا يعتقدون ان مأساة مصر او تونس او غزة... بمثابة نجاح او ما يشبه النجاح او يمت اليه بصلة من قريب او بعيد.
ما حصل في الاردن خلال الايام القليلة الماضية كان تعزيزا للجبهة الداخلية بغية مواجهة الاستحقاقات الخارجية، خصوصا تلك المرتبطة بالاقليم. فالاردن تخوض حربين في الوقت ذاته!
وعد العاهل الاردني بمشاورات نيابية يشرف عليها القصر الملكي، تماما كما يحصل في دول ديموقراطية مثل بلجيكا او الدانمارك. اشرف على المشاورات رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة، وهو شخصية محترمة لا يختلف اثنان على الخدمات التي قدمها للاردن، خصوصا في الفترات الصعبة، ولا على مؤهلاته.
استند عبدالله الثاني الى التقرير المرفوع اليه عن المشاورات وكلّف الدكتور عبدالله النسور تشكيل حكومة جديد.
ما يمكن استخلاصه من كلّ ذلك، خصوصا بعد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد ان عملية الاصلاح مستمرة في الاردن وان على الجميع تحمّل المسؤولية على غرار ما فعله الدكتور النسور خلال ترؤسه الحكومة التي اشرفت على الانتخابات. اتخذت تلك الحكومة قرارا جريئا بزيادة سعر المحروقات. القرار غير شعبي. ولكن بين قرار غير شعبي وتعميق الازمة الاقتصادية التي تعاني منها الاردن، كان الخيار واضحا.
كان الخيار بين قرار غير شعبي، لا مفرّ منه، يعالج جانبا من الازمة الاقتصادية والتهرب من تحمّل المسؤولية. هناك في الاردن رجال على استعداد لتحمّل المسؤولية. هؤلاء رجال دولة بالفعل همّهم البلد وليس الشعارات الشعبوية التي لا تطعم خبزا.
في الفترة القريبة المقبلة، مع زيادة حدة الازمة السورية واقتراب رحيل النظام عن دمشق، واستمرار التدخل الايراني السافر، وهو تدخل يرتدي اكثر فاكثر طابعا مذهبيا مقيتا، سيتوجب على الاردن مواصلة حربها على جبهتين. جبهة الاقليم وجبهة الداخل. المهمّ ان يكون بين العرب من يمتلك ما يكفي من الوعي للمساعدة في توفير دعم للمملكة، خصوصا في المجال الاقتصادي. فدعم الاردن لا يصب في دعم الاستقرار في هذا البلد فحسب، بل يشكّل مساهمة في دعم الاستقرار الاقليمي ايضا.