حسابات بنكية سريّة

نقلت وسائل الاعلام خبراً يفيد بأن وزيراً فرنسياً مستقيلاً أقدم على الإقامة المستمرة في سيارته، على سبيل العقاب الذاتي، وذلك بغية انتظار الصفح والمسامحة من الشعب الفرنسي ومن أصدقائه، على اثر الكشف عن امتلاكه حساباً بنكياً سرّياً في احدى الدول الأجنبية ، وأضافت وسائل الاعلام بأن وزير الخزانة الفرنسي السابق" جيروم كاوزاك" أعلن أمام الملايين بأنه ارتكب خطأ مجنوناً بإقدامه على امتلاك حساباً سريّاً في بنك أجنبي، وكان قد مارس الكذب والتدليس باخفاء هذه المعلومة عن أصدقائه ،عندما أخبرهم بغير الحقيقة، كما أنه مارس الخداع و التضليل بحق الدوائر المختصة من أجل التهرب الضريبي.
الذين يمتلكون الحسابات السريّة في البنوك الأجنبية من الزعماء العرب وأصحاب النفوذ عددهم كبير، أن لم يكونوا جميعاً، وإذا كانت جريمة الوزير الفرنسي تتلخص بالتهرب الضريبي، فإن جرائم الزعماء العرب أكبر من ذلك بكثير وأشد بشاعة وأفدح خطرا بالشعوب وذلك من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن الأموال التي عمد الزعماء العرب الى تهريبها الى البنوك الأجنبية و اودعوها في حسابات سرية تقدر بمبالغ هائلة تصل الى المليارات، وهي تعادل ديون بلدانهم وتزيد، بينما قدّرت أموال الوزير الفرنسي بـ (600) ألف يورو فقط، فلا مجال للمقارنة.
الوجه الثاني يتمثل بمصدر الأموال المهربة، فأموال الوزير الفرنسي تم تحصيلها من خلال عمله كطبيب جراح ومن خلال جده في تنميتها واستثمارها، لكن المصيبة في أن الأموال العربية المهربة تم تحصيلها عن طريق أساليب النهب والاختلاس، والاستيلاء على أملاك الدولة وثرواتها، واستغلال المنصب في السرقات الكبرى، بعيداً عن كشف الحقائق.
الوجه الثالث للجريمة يتلخص بأن هذه الأموال المنهوبة، لا يتم استثمارها داخل البلدان العربية، ولا تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، بل تذهب لتنمية أرصدة البنوك الأجنبية وتسهم في حل مشكلة السيولة لدى الدول الغربية، مما يجعلها عاملاً مهماً من عوامل زيادة الفقر لدى البلدان العربية وزيادة مديونياتها وزيادة الفجوة بين عالمنا المتخلف وعالمهم المتقدم.
الوجه الرابع للجريمة أن معظم هذه الأرصدة المخفية لا يتم تحصيلها بعد موت أصحابها على وجه العموم وفي غالب الأحيان، ويتم التبرع بها للجمعيات الخيرية في العالم الغربي التي في أغلبها يهودية وصهيونية، التي تجمع التبرعات لدعم الكيان الصهيوني.
الوجه الخامس للجريمة: أن الزعماء العرب لا يجرؤون على الاعتراف بجرائمهم كما اعترف الوزير الفرنسي، كما أنهم لا يلجأون إلى طلب العفو والصفح من شعوبهم، ولا يشعرون بتأنيب الضمير، ولا يحسون بأي نوع من الألم النفسي نتيجة الإقدام على هذه الجريمة البشعة، فضلاً عن فقدان الجرأة والشجاعة على معاقبة الذات، ولن يقدما على سجن أنفسهم في سياراتهم انتظاراً لصدور العفو. بل إنهم سوف يقدمون على عكس ذلك تماماً، فهم يسرقون شعوبهم ثم يعمدون إلى احتقارها وإهانتها، وبدلاً من معاقبة أنفسهم يقدمون على معاقبة شعوبهم عقاباً جماعياً.
الوجه السادس للجريمة وهو أشدها بشاعة وقبحاً، أن يكون لهؤلاء السراق أتباع ومريدون من المثقفين والكتاب والصحفيين والأدباء والشعراء، الذين يعمدون إلى تجميل أفعالهم البشعة وقلبها إلى بطولات وتضحيات وخوارق ومكارم، عن طريق كيل المديح، وشرعنة النهب والسلب، وممارسة الخداع والتضليل، وتأليف الكتب ونظم القصائد التي تبجل الزعيم وتؤلهه ، وليس هذا فقط ، بل يتم تحويلها إلى أغانٍ وطنية.
وصدق من قال زعماؤنا يدرسون في الخارج، ويمارسون هواية السياحة في الخارج، ويبعثون أبناءهم للدراسة في الخارج، ويتلقون العلاج في الخارج، اما في الداخل فانهم يسرقون البلد وينهبون الخزينة ثم يضعونها في حسابات سرّية بنكية اجنبية في الخارج. ( العرب اليوم )