حملات تطهير في العراق
تتوالى دروس "الديمقراطية الامريكية" بنسختها العراقية التي تضاف الى سجل النسخة الافغانية غير المشرف. ولو كانت القصة هي تصرفات "اصدقاء الغرب وامريكا" لما القينا اللوم على زعماء العالم الحر. لكنها "ديمقراطيات" تمارس في ظل الجيوش والقواعد الامريكية وحلفائها في حلف الناتو.
العراق, على وشك اجراء انتخابات تشريعية عامة في اذار المقبل, لكن ما تأتي به "ليلى من اخبار العراق" يثير العجب العجاب. فمن قرارات لجنة المساءلة المكلفة بـ (اجتثاث) البعثيين, التي اصدرت (فرماناتها) باقصاء المئات من المرشحين وعلى رأسهم السياسي المعروف صالح المطلك. الى قرار يدهش الجميع صدر في مدينة النجف يطالب البعثيين بمغادرة المدينة فورا والا فالعقاب شديد.
في السبعينيات كتب عبدالرحمن منيف روايته الشهيرة "شرق المتوسط" التي تحدث فيها عن سجون هذه المنطقة (الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود). ولو كان منيف حيّاً, وهو الذي عاش جانباً من حياته في بغداد, لكتب الجزء الثاني من شرق المتوسط, وهنا لن يحتاج الروائي الى الخيال ليكتب فصلاً جديداً من القمع والاستبداد. لكنه سيجد امامه روايات موثقة بالصوت والصورة, "عن زنازين" شرق المتوسط من ابو غريب سيئ الصيت في كل الدنيا, الى الزنازين الثقافية والايديولوجية والسياسية التي باتت جزءا من معالم هذا الشرق التعيس.
مثلما يطرد المستوطنون وقوات الاحتلال سكان الشيخ جراح في القدس المحتلة من منازلهم, هناك من يُطرد من مدينته وبلده تحت اتهامات تتعلق بتاريخه السياسي. وتخيلوا وضع الالاف ممن كانوا بعثيين في النجف, وهم يتلقون الانذار بالطرد مع اسرهم واطفالهم. أليس ذلك حملة تطهير تحت ضوء شمس الديمقراطية الامريكية وعهد اوباما المستنير!!
لن تكون هناك ديمقراطية في العراق, ما دامت شوارع واحياء عمان ودمشق وصنعاء وابو ظبي ومدن اوروبية عديدة تكتظ بملايين المهجرين العراقيين, الذين اجبروا على الرحيل عن وطنهم تحت وقع المذابح وحملات التطهير والجثث المكتشفة مع طلوع النهار. لو كان هناك امن واستقرار يسمح باجراء انتخابات حرّة ونزيهة لما بقي مهجر عراقي واحد خارج وطنه. فليس كالعراقيين احد في حب وطنهم.
واخبار "الديمقراطية الامريكية" بنسختها العراقية لا تتوقف. لقد تم بصمت من دون اعلان تسليم السلطات الامنية عشرات الالاف من المعتقلين السياسيين من قبل القوات الامريكية التي كانت تشرف على هذه المعتقلات. ولم اقابل عراقيا واحدا لا يشعر بالقلق على مصير اقارب واصدقاء له من هذا القرار بعد ان توالى اكتشاف قصص التعذيب في معتقلات السلطة هناك.
على اي حال, يقف العراق اليوم على مفترق طرق آخر. فالانتخابات المقبلة ستقرر صورة البلد في السنوات الاربع المقبلة, التي سيكون نصفها من دون قوات امريكية كبيرة (بعد انسحابها المقرر في نهاية 2011). فاما سنكون امام عراق مستيقظ من غرفة العناية المركزة, او اننا سنكون امام عهد آخر من مليشيات طائفية, وايرانية, وقاعدية, وغير ذلك من صور الحياة الانسانية المظلمة في شرق المتوسط الذي اصبح من معالمه القمع والاستبداد والتفنن في ايقاظ الفتن.