اسرائيل: حروب الخارج تفرضها اهداف الداخل
في خطوة غير مسبوقة اصدر رئيس الوزراء الاسرائيلي بيانا قال فيه »ان اسرائيل لا تخطط لشن هجوم على لبنان وانها لا تسعى الى اي صراع معه« وقد يفهم خطأ ان نتنياهو رجل سلام كما ادعى بالفعل في بيانه المذكور زاعما »انه يسعى الى السلام مع جميع جيرانه«. واذا كان »الماء يكذب الغطاس« فانه لو كان مهتما بالسلام مع الجيران, فأولاهم »الفلسطينيون« الذين يرجع سبب نكبتهم ومصائبهم وآلامهم الى وجود هذا الجار الغريب, الذي ليس مثله احد على وجه الارض, ان كان في ظلمه وغطرسته وحبّه المريض لخلق الشرور وعشقه لاستمرار مناخات الصراع والحروب.
لن يصدّق احد بيانات نتنياهو, ومن حق اللبنانيين ومعهم السوريون وكذلك الفلسطينيون في غزة ان يُعدّوا ويستعدوا لاحتمالات شن اعتداءات واسعة جديدة عليهم من قبل حكومة اسرائيلية هي الاشد تطرفا وعنصرية. على العكس, فبيان نتنياهو - غير المسبوق - قد يكون من باب الخدعة التي تفرضها عادات اسرائيل العسكرية, فهي تشن اعتداءاتها على جيرانها كلما استبعدت حسابات الآخرين وقوعها.
قبل بيان نتنياهو بعدة ساعات, كان الوزير الاسرائيلي السابق الجنرال يوسي بيليد, قد اعلن بانه »لا مفر تقريبا من مواجهة اخرى مع حزب الله« وفي تقديره »ان من الواضح ان المسألة مسألة وقت قبل ان يقع صدام عسكري في الشمال«, واضاف » وان كانت الحكومة اللبنانية لا تسيطر على حزب الله فان اسرائيل ستهاجم لبنان وسورية اذا وقعت مواجهة«.
بالمقابل, لم تتوقف بيروت ودمشق خلال الاسابيع الاخيرة عن التكهنات بان عدوانا اسرائيليا تتصاعد احتمالات وقوعه في الربيع المقبل. وهذا ما توقعه الشيخ حسن نصر الله زعيم حزب الله, وما ذكرته الانباء حول استدعاء سوري لقوات احتياط.
من تجارب الصراع العربي الاسرائيلي, التي ارستها الاحداث والمفاهيم انك اذا اردت ان تبحث عن احتمالات قيام حرب جديدة عليك ان تبحث عن الهدف الرئيسي الذي تنشغل به الحكومة وقيادات الاحزاب الحاكمة في تل ابيب. اما الهدف الحالي لهذه الحكومة, فليس ترسانة الصواريخ التي يملكها حزب الله, ولا المفاعل النووي الايراني كما اعلن نتنياهو قبل يومين, هذه اهداف غير مباشرة لتحقيق هدف رئيسي هو تهويد القدس وابتلاع 40 بالمئة من اراضي الضفة في العمليات الاستيطانية والجدار العنصري.
عندما شرع الجنرال المريض شارون, اثناء توليه الحكم, ببناء الجدار العازل في الضفة والانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة قال لخصومه »تعتقدون ان المشكلة هي الانسحاب من غزة لكنها في الواقع كيف نحتفظ بالضفة الغربية«. لهذا عندما انسحب لم يتفق مع السلطة الفلسطينية الا على »كاميرات المراقبة« في معبر رفح. ولو كان يريد (سلاما) لفاوض ووقع اتفاقات.
نتنياهو خرج للتو من معركة سياسية مع ادارة اوباما حول وقف الاستيطان وقد نجح فيها. لكن النجاحات التي يسعى اليها بالفعل هي تدمير حلم الدولة الفلسطينية, وتحويل ما يتبقى من الفلسطينيين الى اقلية قومية, بعضها يتبع مصر, والآخر الاردن, ولانه يعلم ان هذا الهدف يواجه مقاومة فلسطينية وعربية ودولية, فان الحرب على لبنان وحماس وسورية وايران ستنقل الاهتمام الدولي من داخل فلسطين الى حدودها وحدود الاقليم كله. وهنا دائما وفي مثل هذه الحالات فإن المستفيد الوحيد هي اسرائيل بفعل مساندة واشنطن ولاسباب التخاذل العربي, والعجز الدولي.