الشتوة الكبيرة !

تستحق شتوة الاثنين الماضي التاريخ لها، والاشارة الى يوم 3 /11 ،بذكرى «الشتوة الكبيرة»، ومن الظلم وصف ذلك اليوم ب»الاثنين الأسود» لان الامطار زاد الحياة ،ونحن من أكثر بلدان العالم حاجة للمياه ،وكلما أمطرت يكرر المسؤولون في القطاع الزراعي تصريحات تؤكد «أن الامطار تبشر بموسم زراعي جيد «! وهي على أية حال لم تكن مفاجئة، فقد توقعتها الارصاد الجوية الرسمية والتنبؤات «الخاصة»،وربما كانت غزارة الامطار أكبر من المتوقع.
وحتى الحديث عن الاستعدادات للشتاء لم يكن غائبا ،وقبل نحو اسبوعين عقد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع المدني برئاسة رئيس الوزراء ، بحث خلاله استعدادات الاجهزة المعنية لفصل الشتاء،وتم التذكير بأخطاء العام الماضي ،وضرورة تلافي جوانب الخلل في مواجهة «الثلجة «، ومنذ اسبوعين أطلقت أمانة عمان وشركة «مياهنا «حملة اعلامية لتذكير المواطنين بضرورة الاستعداد للشتاء ،والتحذير من ربط مزاريب الامطار بشبكة الصرف الصحي.أما وزارة البلديات فطالبت البلديات باتخاذ الاجراءات اللازمة ،لمواجهة موسم الخير وما قد ينتج من تداعيات ،لكن كل ذلك بدا وكأنه كلام في الهواء !
المعنى أن المفاجأة لم تكن بتساقط الشتاء ،بل بما أحدثته «الشتوة «من فوضى وحالة شلل في العاصمة لعدة ساعات ،وسيول داهمت منازل ومدارس ومرافق عامة في عمان ومناطق عديدة بالمحافظات ،تسببت بوقوع 3 وفيات , وخسائر كبيرة بالممتلكات وتشريد عائلات ، كما حدث في الاغوار الشمالية.
البعض اعتبر أننا غرقنا في «شبر ماء» ،لكن دائما «الشيء بالشيء يذكر»، وقد كانت «الشتوة الكبيرة « ، وما سببته من فوضى واختناقات مرورية، وإغلاقات في الانفاق وشبكات تصريف مياه الامطار ، مناسبة للتذكير بان العديد من بلدان العالم المتقدمة والغنية ،تبدو عاجزة عن مواجهة كوارث بسبب الظروف الجوية ، ولا تزال ذكرى كارثة «إعصار كاترينا « التي أحدثت دمارا هائلا في ولاية مدينة نيو أورليانز الاميركية ،وتسبب بقتل المئات وتشريد الالاف ،وأظهرت قصورا فاضحا في استعدادات أجهزة الدولة على مواجهتها ، لكن «شتوة الاثنين» لا تشكل نقطة في بحر ذلك الاعصار الهائل ! وقبل سنوات غرقت مدينة جدة بمياه الامطار ،بسبب عدم تجهيز البنية التحتية لاستيعاب فائض المياه ،رغم الامكانات المالية الهائلة للسعودية !
من أطرف التبريرات التي سمعتها ما قاله مسؤول بالامانة ، إذ اعتبر أن أحد أسباب الاختناقات المرورية التي حدثت ،تغيير التوقيت من صيفي الى شتوي ! لكن نائب مدير المدينة للاشغال العامة في الأمانة ،صديقي المهندس ياسر عطيات،وهو من الكفاءات المميزة، برر حدوث ارتفاع منسوب مياه الامطار في عدد من شوارع العاصمة والانفاق المرورية «بتساقط الأمطار بغزارة خلال فترة زمنية قصيرة «، ودون الدخول في الجوانب الفنية للبنية التحيتية المرورية ، فان هذا التبرير لا يتفق مع مسؤوليات الامانة في تهيئة شبكة التصريف لاستيعاب مياه الشتاء ،وسرعة التحرك لفتح الانفاق وضخ التجمعات المائية ، وبطبيعة الحال هناك أجهزة أخرى مساندة تتحمل مسؤولية التحرك والتنسيق في مثل هذه الظروف.
لا أحد سوى الخالق يستطيع التحكم بوقت ومعدل سقوط الامطار وغزارتها ،واحتمالات تكرار «شتوة الاثنين» وتساقط الثلوج ،واردة في أي وقت من فصل الشتاء ، وعليه فان ما حدث يفترض ان يكون درسا.
ملاحظة جوهرية أشار لها المدير التنفيذي للطرق المهندس احمد خريسات ،وهي أن زيادة المساحات العمرانية والاسطح الخرسانية في العاصمة ،ساهمت بزيادة كميات المياه المتدفقة للشوارع، نتيجة لقلة الاراضي والمساحات الفارغة التي تساعد على امتصاص المياه خلال الموسم المطري. وهذه إشكالية تتطلب من الامانة معالجتها ،بالحد من التوسع الافقي وتعديل نظام الابنية لجهة زيادة طوابق البناء،بعد ان التهمت غابات الأسمنت الاراضي الزراعية ، دون تجاهل حاجة المدينة الى شبكة تصريف لمياه الأمطار تواكب النمو والتوسع العمراني.
ولا يمكن إعفاء بعض المواطنين وشركات المقاولات، من المسؤولية في التسبب بإغلاقات شبكات التصريف بحدوث انجرافات لمواد بناء لورش قيد الانشاء وناتج الحفر.
الراي 2014-11-09