غضبة الفقراء.. وهيبة الوزراء!
يعتصم عشرات عمال الزراعة ، امام وزارة الزراعة التي لا تريدهم ، لعدم وجود مخصصات مالية سنوية تبلغ اربعمائة وخمسين الف دينار ، ويُغلق هؤلاء جانبا من الشارع ، وتتصرف الشرطة بصبر كبير ، في توقيت حساس للغاية ، فلا تؤذيهم ولا تمنعهم ايضا.
حكوماتنا تجد المال لكل شيء. تجد المال لحفر الانفاق بالملايين ، وتجد المال لشراء سيارات فاخرة للوزراء ، وتجد المال لسداد فواتير الوقود لاساطيل السيارات الحكومية ، وتجد المال لانفاقه على كل شيء ، وحين يتعلق الامر بعمال فقراء من معان والكرك واربد ، يصبح المال قليلا ، ولا تتذكر وزارة الزراعة الانظمة والقوانين ، الا في هذه القصة.
الحكومة حسب رسائلها الاولية دخلت في مرحلة شد الاحزمة وتخفيض النفقات على جهات عديدة ، وواقع الحال يشي باجراءات صعبة جدا ، ستشمل كل شيء ، وقد نسمع عن اعداد اخرى ستخسر وظائفها ، خصوصا ، اذا تم اعتماد الصيغة الجديدة لموازنة البلديات التي ستحصل على حصص اقل من ضريبة البنزين ، وستضطر فوق خراب حالها ، الى ان تتراجع خدماتها ، وتصرف اعدادا من عمالها وموظفيها ، وهي قصة مُقبلة على الطريق ، خصوصا ، اذا اقرت الجهات الرسمية خفض حصة البلديات بصورته النهائية ، ووسط هذه الاجواء ، فان المؤكد ان العام الجاري هو عام الخسائر على مستوى الوظائف ، وليس عام فتح وظائف جديدة ، وفقا لما يتسرب حتى الان.
على الحكومة ان تُظهر قليلا من الرحمة تجاه العمال ، فمحافظات الجنوب والشمال ، تزحف تنمويا على بطنها ولا يحتمل الناس خسارة وظائفهم ، ولا يكفي ان يقال ان تعيينهم كان مخالفا للقانون ، فلو اردنا ان نُعدد مخالفات القانون لما انتهينا ، وقبل ايام تخذت الحكومة قرارات بتعيينات على مستوى الدرجة العليا ولم تستعن باللجنة التي شكلتها لهذه الغاية ، حتى لا نبقى نهرب من الجانب الانساني ، نحو الجانب القانوني الذي يخدم القضية التي تريدها هذه الجهة او تلك ، وايا كانت تبريرات وزارة الزراعة والدفع في ظهر المسؤولين لمزيد من الصلابة بحق هؤلاء ، فان خراب بيوتهم لا يرضاه احد ، ومن كان لا يُشغّلهم ، ويتهم بعضهم بأنهم يتلقون رواتب فقط ولا يعملون ، يتحمل مسؤولية عدم تشغيلهم ، وعليه ان يُشغلهم بدلا من تحول بعضهم لبطالة مقنعة داخل الوزارة ، على حد زعم من يزعمون.
الدولة ذات قلب. ولم تكن تاريخيا دون قلب. ولذلك فان حل مشكلة هؤلاء ليس اخر الدنيا ، والتشاطر على رواتبهم ومخصصاتهم ، لن يحمي اقتصاد البلد ، ولن يجعل النفط يتفجر في دار الحكومة ، او ملحقاتها ، وتوقف رئيس الحكومة عند القضية ، لا يجعله يبدو كمن تنازل عن قرار ، او خضع للجمهور ، حتى لا يبقى من يوسوس هنا او هناك ، بأن هيبة الحكومة على المحك في هذه القضية.
اغلقوا هذا الملف واعيدوهم الى اعمالهم ، ويكفي ناسنا ما هم فيه ، حتى لا يبقى يظن بعضنا ان كل الدنيا هي عمان الغربية ، فيما بقية المملكة عالم اخر بقصصه وحكاياته.
هيبة الحكومة من رضى الناس اولا واخيرا.
أليس كذلك؟.
mtair@addustour.com.jo