حسني مبارك... نعتذر منك ونؤوب إليك

تم نشره الأحد 30 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 01:33 صباحاً
حسني مبارك... نعتذر منك ونؤوب إليك
عريب الرنتاوي

سيتعين على الشعب بعد جلسة النطق بالحكم في “قضية القرن”، أن يخرج بالملايين إلى الشوارع والميادين، وأن يعتصم، شيباً وشباناً، رجالاً ونساء، لثمانية عشرة يوماً على أقل تقدير، في ميدان التحرير ومختلف الميادين في مختلف المدن والبلدات والنجوع، طالباً الصفح من رئيسه “المخلوع”، عمّا ألحق به من إهانة وما تعرض له من افتراء ... فمن أصعب الأشياء على النفس والضمير، أن ترى بريئاً خلف القضبان، بعد أن تعرض إلى كل ما تعرض له الرئيس الرابع لمصر منذ ثورة 23 يوليو من ظلم ذوي القربى وجحود الأهل والعشيرة وعقوق الأبناء الضالين.
بثلاث جمل شديدة الإيجاز، طويت صفحة المحاكمة التي كان ينبغي أن تكون الأشهر في التاريخ: الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك في قضية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل ... انقضاء الدعوى الجنائية على مبارك ونجليه وحسين سالم في قضية فيلات شرم الشيخ... عدم جواز نظر الدعوى في اتهام مبارك بقتل المتظاهرين ... لا يهم بعد ذلك، كم عدد صفحات الحكم، ولا عشرات ألوف الأوراق والوثائق الملحقة بها ... هنا قطعت جهيزة قول كل خطيب
براءاتٌ وصكوك غفران، توزع بالجملة والمفرق، المسألة لم تقتصر على شخص الرئيس ورمزيته، وزير داخليته بريء أيضاً، معاونو وزير داخليته أبرياء كذلك، أنجاله أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، حتى لصوص النفط وأراضي شرم الشيخ، طالتهم موجة البراءات التي ازدهر قبل انعقاد الجلسة المنتظرة، وبلغ ذروتها مع بدء أشغالها.
إن كان كل هؤلاء أبرياء من كل شيء، فمن هو المتهم الحقيقي الذي استفز ملايين المصريين وأخرجهم عن رتابة عيشهم المعتادة، واخرجهم بالملايين إلى الشوارع والميادين؟ ...إن كان جميع هؤلاء ومن سبقهم ممن استحق البراءة أو الأحكام المخففة، فمن نعني بنظام الركود والفساد والاستبداد الذي جثم فوق صدور المصريين لثلاثين عاماً متتالية، وأحال أرض الكنانة و”أم الدنيا” إلى جثة هامدة، تستدر الرأفة والشفقة من أشقائها وأصدقائها؟ ... إن كان جميع هؤلاء أبرياء فمن الذي خطط وأمر ونفذ عمليات القتل التي أطاحت بمئات الأبرياء في الساحات والميادين، ومن الذي صادر ثورة الشعب المصري وجوّعه وأذله، ومن الذي جرّف المجتمع المصري من نخبه الحديثة والعصرية وحوّلوها إلى “مهرجين” في مواسم “عبادة الفردة” على ضفتي النيل الخالد، في استعادة مقيتة لأعمق الطقوس الفرعونية وحضارات الأنهار البائدة؟
هل أخطأ الشعب المصري حين انتفض ضد “نظام الأبرياء”؟ ... وكيف يمكن لشعب بملايينه التسعين أن يجتمع على الخطأ و”سوء الفهم”؟ ... ما الذي يتعين فعله الآن، هل نعيد الاعتبار لمبارك ونجليه وحبيب العادلي، هل نذرف دموع الندم على الأيام التي قضوها خلف القضبان، هل ندعو لهم بالعاقبة الحسنة وحسن الختام، هل يمكن لهؤلاء، الشباب منهم بشكل خاص، أن يستأنفوا حياتهم السياسية، فيعود علاء مبارك للمنافسة على رئاسة الجمهورية والعادلي رئيساً لمجلس الشعب، وحسين سالم وزيراً للخزانة؟ ... ما الذي حصل، وكيف يمكن لنا أن نستوعب هذه المهزلة؟
من حق ثوار التحرير أن يستشيطوا غيظاً وغضباً، فما حصل بالأمس، هو الإعلان النهائي لثورتهم والحساب الختامي لتضحياتهم ونضالاتهم وبطولاتهم ... لقد عاد النظام القديم متسللاً، تارة بشخص أحمد شفيق وأخرى بحسم ثنائية العسكر والإخوان لمصلحة الطرف الأول، واليوم، تتوج العودة غير الميمونة للعهد القديم، بصك البراءة الذي منحه القضاء المصري للرئيس الأسبق.
هل قلنا القضاء المصري؟!
وماذا سيكتب التاريخ عن هذا القضاء، وأية فصول من تجربته ستُدَرّس في كليات الحقوق في الجامعات المصرية ... وعن أية استقلالية للقضاء يمكن نقرأ ... لقد كان واضحاً أن المحكمة تسير في هذا الاتجاه، والعارفون ببواطن الأمور، توقعوا البراءة لمبارك وزمرته، لا إرضاء لرمز العهد القديم والنظام غير البائد فحسب، بل وطمعاً كذلك في كسب رضى بعض حلفاء مصر، الذين هالهم رؤية صديقهم خلف القضبان، وفعلوا كل ما في وسعهم من أجل منع توقيفه ومحاكمته والإفراج عنه واستقباله في عواصمهم، وأخيراً النطق ببراءته من دون التباس.
قبل بضعة أسابيع، كنت وبعض الأصدقاء نتابع حواراً تلفزيونياً مع قذاف الدم، تحدث فيه عن تجربته مع القذافي وعن أيامه الأخيرة وواقع الحال في ليبيا اليوم، ولفرط ما أشاد الرجل بالعقيد ومناقبه، قال أحدنا: هل يأتي يوم يُعاد فيه الاعتبار لمجنون ليبيا وفقاً لوصف السادات للرجل، سخرنا من صديقنا وقلنا: إن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.
“محاكمة القرن أظهرت زيف اعتقاداتنا، وبرهنت بالملموس أن عقارب الساعة في العالم العربي تعود دائماً إلى الوراء، ومن النادر أصلاً أن تتحرك للأمام، وقد لا ينقضي زمنُ طويل قبل أن نرى محكمة ليبية تبرئ القذافي وزمرته، وتدين منتقديه والذين ثاروا ضد نظام حكمه ... ألسنا في زمن العجائب والغرائب، أهلا بكم في العالم العربي؟!

الدستور 2014-11-30

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات