النفط إلى أين؟
يعتد كثيرا من المحللين أن قرار منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» الأخير بعدم خفض الإنتاج ساهم بشكل ملحوظ في هبوط الأسعار بسبب زيادة المعروض، وهذا خطأ شائع كون الأسواق لم تعد تعمل بمعادلة العرض والطلب بل أصبحت معدلات النمو هي المحرك الأساس لتلك السوق التي تعاني ارتباكا واضحا الآن. يمكن العودة إلى سيناريو عام 2008 عندما بدأت أزمة مالية عالمية في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في العالم حتى أن الدول العربية طالها ما طالها، آنذاك هبطت الأسعار إلى ما دون 50 دولارا للبرميل وتأثرت اقتصاديات غالبية الدول بما فيها آسيا قبل أن تتعافى الأسعار في 2009.
«أوبك» التي تنتج 31.6 مليون برميل يوميا، وهو يمثل 43.4 في المئة من حجم الإنتاج العالمي البالغ 72.8 مليونا، تعرف أنها لم تعد مؤثرة في الأسواق، ولديها قناعة بأن مزيدا من خفض الإنتاج لن يحرك الأسعار إلى الأعلى بل سيجعلها تزيد من خسارتها بسبب انخفاض الأسعار.
الأزمة المالية حاليا تلوح بالأفق وفعليا فإن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن النمو المتوقع بنهاية 2014 يبلغ 3.3 في المئة، بانخفاض قدره نحو 0.2 في المئة عن التقدير السابق للصندوق البالغ 4 في المئة، وإذا ما علمنا أن أزمة أمريكا المتمثلة في افلاس البنوك كانت بسبب ضعف الرقابة وانعدام الشفافية وتقديرات غير واقعية لأعمال الشركات وهذا ما زال ممارسا هناك.
غير ذلك فإن حالة الاضطراب التي يعيشها العام بدءا من روسيا وأوكرانيا مرورا بالملف النووي وليس أخيرا العراق وسوريا ومناطق أخرى ملتهبة، من شأنها أن تقوض عمليات النمو بل يمكن أن تكون توقعات الصندوق مبالغ فيها.
أرقام «أوبك» تشير إلى أن الطلب العالمي على النفط هبط من 86.6 مليون برميل يوميا في عام 2007 ليصل إلى 86.1 مليون برميل يومياً، وأدى اختلال ميزان الطلب والعرض إلى بناء كبير في المخزون العالمي من النفط بمقدار 1.6 مليون برميل يوميا خلال الربع الثالث من عام 2008، و1.2 مليون برميل يوميا خلال الربع الرابع من عام 2008، وهو ما يحدث الآن وما تبينه المخزونات الأمريكية، إضافة إلى إنتاج النفط الزيتي.
إذا الحديث عن سيناريو 2008 يبدو واقعيا، وفي حال أزمة مالية جديدة، لن يكون الوضع مثل الأزمة السابقة، آنذاك لم تكن الأزمات العراقية والسورية حتى الليبية والمصرية موجودة، وستجد «أوبك» ودول الخليج تحديدا أن ما دفعته ثمنا للتضييق على اقتصاديات مثل روسيا وإيران لن تجدي نفعا في حال تعرض العالم لكساد مثل ذلك الكبير الذي كان في عام 1929.
(السبيل 2014-12-04)