بعد تقرير هيومان رايتس وحتى لا تتحول الحبّة الى قبة
كانت مسألة "سحب الجنسية" مطروحة قبل اشهر طويلة من صدور تقرير "هيومن رايتس ووتش" الأخير. تداولتها الصحافة المحلية, وكذلك وسائل اعلام عربية, من الصحافة الى الفضائيات. وشاهدنا وزير الداخلية ضيفاً يتحدث عنها في الجزيرة وذلك في فترة الحكومة السابقة.
كما تم تداولها في لقاء خاص بين رئيس الوزراء السابق ورؤساء تحرير صحف يومية, كنت حاضراً, وبحثت كذلك في احدى جلسات مجلس امناء المركز الوطني لحقوق الانسان. ولا اريد هنا ان استعرض ما قيل حول الموضوع في كل المحطات التي ذكرتها. لكني "ارجو" ان لا نلقي دائماً على الآخرين مسؤولية مشاكلنا وعجزنا في حلها ومواجهتها وان نبحث عمّا يجعلنا نرضى عن انفسنا وما نقوم به, وما يدفع الآخرين للاقتناع بصواب ما نفعل.
جميع الاردنيين متفقون, من مختلف المنابت والاصول, بان تشجيع الفلسطينيين في الصمود والبقاء في الضفة الغربية هو مصلحة وطنية اردنية, كما هو مصلحة وطنية وواجب نضالي فلسطيني. وجميع الاردنيين ايضاً وبشكل موازٍ لم يعترضوا على المواقف الرسمية باستمرار فتح الجسور على نهر الاردن,ليس منذ قرار قمة الرباط, وبعدها قرار فك الارتباط, ولكن منذ سقوط الضفة تحت الاحتلال, وحتى بعد اتفاقية اوسلو, وعودة عشرات الالاف من الفلسطينيين الى اراضي السلطة الوطنية وحصولهم على ارقام وطنية فلسطينية.
لم تلجأ الدولة الاردنية يوماً الى قرارات بسحب الجنسية تثير ردود فعل من أي نوع. وعلى العكس تماماً بعد اوسلو, وفي عام ,1994 مددت الحكومة صلاحية الجواز الاردني المؤقت الذي يحمله سكان الضفة الغربية من عامين الى 5 اعوام اثر احتجاج احدى المواطنات على اسئلة موظف أثناء تجديد جواز سفرها.
لم يلجأ الاردن, الرسمي, الدولة والحكومة, في جميع المفاصل التاريخية التي اكدت ورسّخت منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني, الى مواقف وسياسات علنية بسحب الجنسية تحت شعار تنفيذ قرار فك الارتباط الذي صدر في عام ,1988 أي منذ 22 عاماً. وكل هذا لم يزعزع الاردن, الرسمي والشعبي, في رفض الوطن البديل والتصدي لجميع المشاريع والافكار الصهيونية الخاصة به.
كان يمكن ان يكون هذا القرار مفهوما, بعد قمة الرباط مباشرة, او بعد قرار فك الارتباط. ثم بعد اتفاقية اوسلو. وكان سيكون »مشروعاً« لو حدث في عام ,1973 عندما كانت منظمة التحرير تتهم الحكومة الاردنية بانها تسعى الى "اردنة" الفلسطينيين معتبرة ذلك مؤامرة على القضية الفلسطينية!!. لكن ذلك لم يحدث. ولم يطرح ولم يبحث على المستويات الرسمية, على الأقل لم نسمع في الاعلام والصحافة انها كانت متداولة جدّياً.
اقول, كان ذلك مفهوماً "سحب الجنسية" لو حدث في ظل المحطات التاريخية التي ذكرتها. وحيث كان الوضع العربي والفلسطيني في حالة هجوم وضغط على اسرائيل. لكني اجده عرضة لمحاذير كثيرة اليوم "حتى لو كان محدوداً " بسبب ما يثيره من اصداء سلبية تجد من يستغلها ويستثمرها ضد الاردن وأمنه الداخلي في ظل وضع فلسطيني مترد, وفي ظل واقع عربي لا يمانع في أي حل يشطب القضية الفلسطينية من اجندات العواصم وفي ظل مناخ اقليمي ودولي يبحث عن مخارج لمأزق السلام, ليس بالذهاب الى حل عقد المشكلة الفلسطينية, انما الى تصدير الحلول للاردن وغير الاردن.
فوق هذا وذاك فإن اخطر هذه المحاذير هو هذا المناخ السائد الذي يغطي المنطقة العربية باشاعة وتغذية بل و"خلق" النزعات التقسيمية داخل كل بلد, وبين صفوف كل شعب, مرة تحت غطاء الطائفية, واخرى بدعاوى الاثنية, وثالثة وراء مزاعم الدفاع عن حقوق الانسان, التي اصبحت ذريعة للدول الكبرى للتدخل في شؤون كافة الدول وجميع الامم بحق وبغير وجه حق, لكن بمنطق القوة وحجم المؤامرة التي يدعمها.
ادعو الى طي هذا الملف, لانه لا الوقت مناسبا, ولا البلد بحاجة الى الاستيقاظ يوما على حالة ذرائعية »تستقطب تدخلات خارجية«, تبدأ عادة بتقارير حقوق الانسان, ثم تقارير السفارات وحملات الصحف التي تنتهي الى مرحلة تريدها اسرائيل وتخطط لها في مطابخ القرار المتخصصة لخلق فتنة داخل الاردن بين اردنيين وفلسطينيين ومن يريد أن يتأكد فليطالع عشرات مواقع (الفيس بوك) التي يندى الجبين لما يطرح فيها ويقال من طروحات فتنة وخواء فكر وفقر في الوطنية والوعي ينزلق اليها الشباب من هنا وهناك اضافة الى مطابخ صهيونية شبه رسمية في هرتسليا ومركز بيغن - السادات "سننشر آخر تقاريره الخطيرة قريبا" التي تريد ان تخلق "مشكلة فلسطينية" في الاردن , تكون منفذا لحل الدولتين, ليس بمعنى دولة فلسطينية واسرائيلية غرب النهر ولكن دولة اسرائيلية مهيمنة وأخرى اردنية - فلسطينية تابعة.
وحتى لا نطرب لبيانات ردود الفعل التي صيغت على تقرير هيومن رايتس أنصح بان نراجع ونتوقف ونتصرف بحكمة, وإلا فإن التقارير ستتوالى. وبياناتنا لن تروع هذه المنظمة, وانما قد تعطيها المبررات لخلق موضوع, وتنمية مشكلة وتحويل الحبة الى قبة.