اجراءات لتخدير الازمة
ما تعرض له الاقتصاد الوطني من نكسات خلال العقدين الماضيين كان نتيجة واضحة للفشل الذي آلت اليه السياسة الاقتصادية الرسمية في احداث معالجات للاختلالات المزمنة التي تعاني منها الخزينة والاكتفاء باجراءات "مخدرة" من دون النظر الى سبب المشكلة الاساسي.
ازمة الدينار سنة 1978 كانت وليدة التخبط الرسمي في الانفاق لدرجة "الهلع" من دون الاخذ بعين الاعتبار معطيات الوضع الاقليمي التي انعكست تداعياتها سلبا على المنح المنتظرة للمملكة من جهة وعدم اقتناع المسؤولين بانفاق معتدل يتواءم مع ايرادات الدولة, ليجد الاقتصاد الاردني نفسه تحت التصفية نهاية عقد الثمانينيات.
اما ازمة الاقتصاد الراهنة اليوم والتي بدأ المواطن يشعر بتداعياتها فهي تعود تقريبا الى ما بعد حكومة علي ابو الراغب تقريبا عندما بدأ مسلسل الانفاق يتنامى بشكل متسارع متجاوزا النمو الاقتصادي الحاصل, لنجد الاقتصاد الوطني امام فجوة كبيرة في تمويل النفقات وصل الى الضعف, وهنا بدأ الاعتماد يتزايد على الاقتراض والعودة من جديد الى مسلسل المديونية التي هي اساس العلة الاقتصادية, لا بل ان خطرها اليوم في تزايد بعد ان تجاوز سقفها قانون الدين العام وهو 60 بالمئة, والخطورة تكمن في ان الحكومة استخدمت عوائد التخاصية لسداد جزء من ديون نادي باريس من دون ان تمتلك خطة لمعالجة المديونية بشكل عام, وهو امر لاحظناه بعد شهور قليلة حيث عادت مستويات الدين للارتفاع بعد ان ظن الاردنيون انها انخفضت, ولقد قفزت اليوم الى مستويات غير آمنة على الاطلاق وبات حجمها يقترب من حاجز الـ 15 مليار دولار وهو الاعلى في تاريخ المملكة.
علينا ان نعترف ان مسألة الاستقرار المالي كانت موجودة في الاقتصاد الاردني خلال فترات العمل ببرامج التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي خلال الفترة من 1989 - ,2003 ورغم التداعيات السلبية الاليمة التي افرزتها البرامج على صعيد الامن الاجتماعي للاردنيين وازدياد معدلات الفقر والبطالة, الا انه على الصعيد المالي للخزينة كان الوضع مستقرا وغير مقلق كما هو عليه الآن.
الملاحظ ان الحكومات الاردنية خلال السنوات السبع الماضية تركت ادارة الشأن الاقتصادي الى مزاجية اشخاص من دون ان يكون هناك عمل مؤسسي, وهنا ظهرت الاجتهادات الشخصية لتحل محل العمل المخطط البرامجي, ونتيجة التقلب في العمل العام وسرعة انتقال الاشخاص من مكان لآخر تعرضت ادارة الاقتصاد الوطني لازمة هوية, وتعاقبت المبادرات تلو الاخرى, وبات الفشل هويتها جميعا بلا استثناء, لانها كانت مناطة بأشخاص وليس بمؤسسات.
الاردن اليوم بحاجة الى اعادة الروح لمؤسساته الرسمية الدستورية, فلا يجوز للاقتصاد الاردني ان يبقى اسيرا لمزاجية اشخاص خدمتهم الظروف لتولي المسؤولية, والعمل الاقتصادي المؤسسي لا يكون فاعلا وناجحا من دون ان تكون هناك برامج تنموية على المستوى الوطني.
للأسف ان الاقتصاد الاردني أُبتلي بفئتين "ضالتين" خلال السنوات الاخيرة تناحرتا فيما بينهما على اقتسام كعكة النفوذ والامتيازات من دون النظر الى مصلحة الاردن, هو ما اصطلح على تسميتهم بالليبراليين الجدد وآخرين اطلق عليهم الرجعيين, والحقيقة انه لا يوجد لدينا اي وصف لهؤلاء المسؤولين, الذين تجمعهم في الحقيقة اعمال يدور حولها شبه الفساد فقط.0