المالكي في ضيافة حزب الله!
قبل نحو عشرة أيام، حطّت في مطار بيروت طائرة خاصة، على متنها رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي، وكان في استقباله عدد من قادة حزب الله، فيما غاب عن مراسم الاستقبال أي مسؤول في الحكومة اللبنانية، رغم أن الضيف يتمتع بمنصب نائب رئيس للجمهورية، الأمر الذي زاد من علامات الاستفهام المتعلقة بهذه الزيارة التي لم يعلن عنها مسبقاً، ولم يفصح أحد عن أهدافها، باستثناء أنباء صحفية كانت قد تحدثت عن توقيف الأمن اللبناني لنجل المالكي، بتهمة حيازة مبلغ نقدي يقدر بـ 1500 مليون دولار.
سنضرب صفحاً عن نبأ تهمة غسل الأموال، التي لم يؤكدها مصدر رسمي لبناني، لنعيد طرح علامات الاستفهام حول الضيف والمضيفين، ونعيد تركيز الضوء على هذه الزيارة، التي أتت كمحطة ثانية لرئيس الحكومة العراقية السابق، بعد الزيارة الأولى التي قام بها إلى طهران إثر خلعه، حيث جرى له هناك استقبال رسمي، والتقاه المرشد الأعلى، وسط حفاوة وتقريظ شديدين لعهد المالكي، الذي فتح أبواب العراق لنفوذ آيات الله، وجعل بلد الرشيد حديقة خلفية لهم.
لم يعلن الكثير عن وقائع هذه الزيارة، ولا عن محطاتها، أو حتى عن وقت انتهائها، باستثناء فقرة واحدة تضمنت جولة للمالكي في جنوب لبنان، عرّج فيها على معرض لمخلفات عسكرية تركها الاحتلال الاسرائيلي وراءه في الحرب الأخيرة، حيث كان في استقبال الضيف ممثل الأمين العام لحزب الله، الذي سار معه على السجادة الحمراء، وسط عزف موسيقى أدته كشافة الإمام المهدي، وتلاه كلام متبادل عن الحرب ضد "داعش" وعن صمود سورية امام المؤامرة الكونية، وعن العراق الذي سيكون مقبرة للقاعدة وأخواتها.
إلا أن السؤال الذي لم تجب عنه كل الوقائع المتاحة عن هذه الزيارة، ظل ينصبّ على المبررات التي حدت بحزب الله لاستضافة شخصية سياسية مكروهة من جانب الأكثرية العراقية الكاثرة، ومعزولة في الإقليم، ومنبوذة من مختلف دول العالم، الذي اجتمعت عواصمه النافذة على ضرورة طي صفحة الرجل الذي وفر، بنهجه الطائفي ودكتاتوريته الفردية، وفساده المنهجي، البيئة الاجتماعية الحاضنة لأعنف ظاهرة تطرف، ليس في العراق وحده، وإنما أيضاً في سائر أنحاء العالم.
إذ ليس في سجل القادم من بغداد مأثرة واحدة، أو لديه ميزة إيجابية وحيدة، يمكن لها أن تسوغ لحزب الله الاحتفاء بضيف يشكّل مجرد اللقاء به عبئاً معنوياً وأخلاقياً ثقيلاً على أي من مستضيفيه، فما بالك إذا كان "المعزّب" مقاوماً لا يشق له غبار حتى الأمس القريب، أي قبل أن ينخرط في الحرب ضد الشعب السوري، ويمضى في تبديد رصيد كبير كان قد رفع مكانته عالياً، خصوصاً أن هذا الحزب ظل رغم كل الانتقادات القاسية له، يتمسك بصورته السابقة، ويدافع عن مسوغات انحراف بوصلته، تارة بالدفاع عن محور المقاومة، وطوراً بالدفاع عن القضية الفلسطينية؟
ولا أحسب أن قيادة حزب الله المجربة، كانت غافلة عن مخازي ضيفها، أو غير مدركة لتبعات ظله الثقيل عليها، وعلى بقية مناصريها، كما لم يفتها مغزى امتناع سائر المرجعيات الرسمية اللبنانية، عن أخذ صورة مشتركة مع الضيف، الذي كان قد قال ذات مرة، إن الصراع في العراق هو بين أحفاد الحسين وأحفاد معاوية، فما الذي دهى الحزب القائم مقام الدولة، لاستقبال المالكي بكل هذه الحفاوة، وتكريمه في "المتحف الجهادي" على هذا النحو الذي يليق فقط بالمقاتلين من أجل الحرية وقادة حركة التحرير؟
ولعل عدم استقبال السيد حسن نصرالله، على نحو علني، للرجل الذي يسوّد الوجه، هو الإشارة الوحيدة عن تحسس حزب الله وحرجه من مضاعفات أخذ صورة مشتركة مع من يثير احتضانه جملة من مشاعر الاستهجان والامتعاض لدى أوساط لبنانية وعربية واسعة، لا تود أن ترى مزيداً من التشظي في صورة الحزب الذي كان، قبل أن يوغل في دماء السوريين، معقد رجاء، وذلك الى ان اندفع بارادته، أو تم دفعه من جانب الولي الفقيه، كي يصبح رأس حربة مذهبية، أدى استلالها في دمشق والقصير إلى خلق معادلها المكافئ على الضفة الأخرى.
الغد 2014-12-09