الأردن والاعتراف بالدولة الفلسطينية ويهودية إسرائيل
التسارع في الأحداث والمعطيات في الملف الفلسطيني في خضم الانشغال بالحرب على الإرهاب أمر مقلق ويشكل تهديداً واضحاً على الدولة الوطنية الأردنية، فالاعتراف بدولة فلسطين من قبل برلمانات الدول الغربية في الفترة القصيرة الماضية، وتزامن ذلك مع العمل بوتيرة جادة لإصدار قانون من الكنيست لتأكيد يهودية الدولة الإسرائيلية يجب قراءته بدقة، لمعرفة انعكاساته على الأردن.
الاعتراف بدولة فلسطين قد يراه البعض ورقة ضغط فلسطينية على إسرائيل، وما يزيد من تأكيد هذا الانطباع ما نراه من ردود فعل تجاه هذا الاعتراف، ولكنه في حقيقة الأمر يشكل خطراً على القضية الفلسطينية برمتها، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية اعتراف مجزوء، فهو يعترف بدولة لا حدود لها، بمعنى أن هذا الاعتراف بالفكرة/الدولة لا يجد تطبيقا جغرافياً له، ولا يتعاطى مع قضايا الحل النهائي، فهل هذا الاعتراف سيساعد الجانب الفلسطيني على تنفيذ حق العودة، وهل سيعترف بالدولة الفلسطينية استناداً إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران عام 1967، وهل سيعترف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين؟
الاعتراف بحقيقته ومضمونه لا يتعامل مع هذه المعطيات، بل يتجنبها بصورة مقصودة، وهو ما يطرح السؤال الجوهري أي فلسطين تلك التي يُعترف بها كدولة؟
الدولة وفق المفهوم القانوني المستقر تتشكل من ثلاثة أركان وهي الارض والشعب والسيادة، وإذا ما اختل ركن منها فقدت صفتها كدولة، فالدولة ليست مفهوماً مجرداً بل هي نتاج تطور سياسي اجتماعي اقتصادي، وبالتالي فالاعتراف بالدولة الفلسطينية دون الاعتراف بأرض محددة لها يضرب ركن الأرض، ودون الاعتراف بمن هو شعبها يضرب ركن الشعب، ودون الاعتراف بحدود سيادتها يضرب ركن السيادة، وهو ما يحول فلسطين من دولة حقيقية إلى مجرد فكرة يمكن (تركيبها) على أي أرض واي شعب لتمارس السلطة فيها السيادة.
ما يقلق بمشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية أنه اعتراف سيشكل ورقة ضغط مستقبلية على الجانب الفلسطيني، لأن من منحها الاعتراف بالفكرة/الدولة سيضغط لقبول الجانب الفلسطيني بأي حل ممكن، وإلا فإنه سيسحب الاعتراف، وهو ما يضع الجانب الفلسطيني تحت ضغط دولي غير مسبوق للقبول بما قُدّم له على طاولة المفاوضات، وهو ما سيدفع إلى إنشاء الدولة الفلسطينية بالحد الأدنى، دون امتلاكها القدرة الحقيقية على الاستمرار.
وعلى الجانب الإسرائيلي تبرز يهودية الدولة كبداية لمشروع يداعب المخيلة الصهيونية وهو التخلص من عبء الفلسطينيين الذين ظلوا متمسكين بأرضهم بعد احتلال العصابات الصهيونية للأراضي الفلسطينية عام 1948، بحيث يختمر مشروع الترانسفير وفق معطيات موضوعية.
وعلى الدولة الأردنية التنبه بسرعة لهذه المعضلة وإصدار موقف واضح من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث يجب أن يتبنى الأردن موقفاً يؤكد على أن أي اعتراف بالدولة الفلسطينية يجب ان يتضمن اعترافاً بحدود الدولة المنصوص عليها بقرارات مجلس الأمن، وتحديد مفهوم الشعب الفلسطيني والاعتراف به .
الراي 2014-12-09