استعادة الحقوق رهن بوعي الشعوب
تواجه أمتنا في حاضرها العاثر خطراً ثلاثي الأبعاد، التقَوا عليها وتحالفوا ضدها واقتسموا خيراتها وانتهكوا كل محرّم من حرماتها؛ عدو غاشم ومستبد ظالم وشعب بينهما نائم.
استثمر الأول فيها ما لديه من خبرة في الكيد والمكر، وأشبع الآخر من خلالها غرائز القهر والظلم وشهوة الإذلال والحكم، ونخبها من قادة الفكر والرأي إمّا قابعا في السجون ومستوطنا للزنازين أو معلّقا على أعواد المشانق أو مطاردا خلف الحدود، وقسم آخر من مستوطني الحانات ودور اللهو والملذات، تمّ اختطاف عقولهم وتغييب وعيهم، وهم غير قادرين على التمييز بين عدو أو صديق، لا همّ لهم سوى إشباع شهوة بطونهم وفروجهم. استثمر الطرفان حالة التيه والضياع التي تعاني منها الشعوب أسوأ استغلال وأبغضه، فأنشأ الأول كيانه الممسوخ على أطهر بقعة وأشرف مكان، تحتل القلب من الجسد العربي المتهالك، فأصبحت تتحكّم بوعيه وبجهازه العصبي وتدير كافة شؤونه مباشرة أو بالواسطة.
واستثمر الثاني الحالة الراهنة، الذي استحكمت في نفسه شهوة الحكم والرئاسة والتسلط حتى استحوذت على كيانه وأصبح أسير غريزته وشهوته ولو على حساب شعب بأكمله ووطن بحدوده.
اختلط حابل الأمّة بنابلها وغدت لا تشعر بالأمراض تدبّ في أوصالها، فكيف لها أن تعمل على الاستشفاء منها بل أصبحت أجزاء منها تعمل إلى جانب أعدائها لتجهز على البقية الباقية من خلايا حيّة في جسدها. انقلبت المفاهيم واختلطت القيم وانزاحت الحواجز بين ما هو معقول أو غير مقبول وبين ما هو مباح أو محظور، وأصبح عدو الأمّة والوطن والدين جزءاً من نسيجنا السياسي والوطني والاقتصادي وربما الديني، والشعب يغطّ في نوم عميق، والحارس يلهو بنشوته وسكرته، واليهودي يفعل فعلته بالأرض ومَن عليها وما عليها حتى غدت المنطقة بأكملها في نطاق نفوذه وتحت سيطرته والقيادات العربية من حوله تعزف لحن السمع والطاعة لتوجيهاته وأوامره. وبعد أن كانت الانقلابات العسكرية ممقوتة ومذمومة وتُبرّر بأنها لظروف استثنائية ولأزمنة محدودة، أصبحت مطلباً وهدفاً وأملاً، وأصبح دعم انقلابي عسكري مدعاة للتباهي والفخر والاعتزاز ويُدعى له بسلامة الأيادي التي أجهزت على الانتخابات الحقيقية والقيادات الشرعيّة، وهذه لعمري ردّة في السياسة تقترب من الردة في الدين. وقد عُدنا القهقرى إلى عصور التخلّف والظلام والناس من حولنا يحققون الانجازات التي تقترب من المعجزات، ركيزتها الأولى وعي شعوبها وإدراكها مسؤولياتها العظام والقيام بها خير قيام.
لا ننكر أن يقظه دبّت في أوصال الشعوب جعلتها في مواجهة مباشرة مع اعداء داخلها وخارجها وأن الحرب سجال بينهما، وما أحدثه الربيع العربي إلاّ واحدة من حلقاتها وجبهة من جبهاتها، والنصر والتمكين دائماً للشعوب إذا ما استعادت كامل وعيها وأدركت حقيقة معركتها وواصلت مسيرتها.
السبيل 2014-12-10