أسود بلا تاريخ حقيقي

يقول المثل الأفريقي:»طالما أن الأسود لا تملك مؤرخها الخاص، فإن قصص الصيد ستمجد دائما الصيادين».وهذه حكمة حياتية لا تنطبق على صيد النمور والأسود وما شابهها،بل تشمل جميع مجالات الحياة البشرية أيضا.
التاريخ العالمي –بلا استثناء- كتبه المنتصرون لتأريخ انتصاراتهم، بعد تزويقها وتحويلها من مجرد إنعكاس لمراكز القوى على أرض المعركة، الى بطولات عملاقة فرضت الواقع الجديد بالعبقرية والشجاعة والإخلاص، وما الى ذلك من هذه الكلمات البراقة التي تقطر فخرا ومباهاة.
هكذا كتب الفراعنة تاريخهم، وهكذا فعل السومريون والأشوريون والأكاديون والفرس والمقدونيون والإغريق والموآبيون والعمونيون والأنباط ، هكذا فعل الرومان والبيزنطيون والعرب، وهكذا فعل الإسبان في أمريكا اللاتينية ، مهد حضارة المايا ، التي دمروها ونهبوها عن بكرة أبيها وأمها. وهكذا فعل الإنجليز والفرنسيون في أمريكا الشمالية ، وهكذا فعل السوفييت الى أن انهار الإتحاد السوفييتي على غفلة منهم،وهكذا تفعل امريكا في العالم من أقصاة الى أقصاه، حتى ساعة اعداد هذا البيان.
وكل اشراقة شمس يعود المنتصرون الى لعبة تزوير التاريخ وكتابته بما يناسب رغباتهم،فهذه عادة بشرية مرتبطة بالضمير الجمعي للأمم،ولا فرق بين أمة وأمة، حتى بالتقوى. ولو كان المنتصرون هم الذين انهزموا لفعلوا ذات الشئ، إنه اتفاق جنتلماني غير مكتوب يوافق عليه الجميع بتواطؤ واضح.
لا أنكر أن بعض هبّات الضمير تظهر بشكل جزئي ومحدود عند المنتصرين، ويتم التعبير عنها بأفلام او بروايات تنصف المهزومين قليلا ، كما يحصل حتى الان بين الفينة والأخرى بالنسبة للسكان الأصليين للقارتين الأمريكيتين ، لكنها تبقى مجرد افلام ورويات ،بينما يعيش السكان الأصليون في مستوطنات محصورة لا يغادرونها الا بأذونات رسمية.
تخيلوا لو أن مؤرخا من الفضاء الخارجي كتب تاريخ الأمم والشعوب على الكرة الأرضية منذ فجر الخليقة حتى الان، دون أن يكون متحيزا لأي شعب ولأي أمة ،بمعنى أنه كتب التاريخ كما حصل فعلا، دون تزوير أو انحياز، فالتزوير والإنحياز مشاكل بشرية لا يعرفها هذا المؤرخ، بل يعتمد على مشاهدة تاريخ العالم يحصل أمامه على شاشة عملاقة ، ويستطيع أن يتقدم ويتأخر بهذ الشريط كما يشاء، من أجل المزيد من الدقة.
ستكون فضيحة كبرى لسائر الأمم، التي سترى نفسها بمنظار معكوس ، وستكون الشعوب تماما مثل ذلك الفتى الذي أقنعه والده بأن ترتيبة كان الأول في جميع الصفوف المدرسية، ثم اتيح لهذا الفتى رؤية شهادات الوالد المدرسية ، ليكتشف أن الوالد كان قبل الأخير بواحد فقط.
سوف تتفق شعوب العالم –كما لم تتفق قط- ضد هذا المؤرخ الإفتراضي، ويترافق صدور كتابه الضخم في التاريخ البشري مع حملات مضادة ومصادرة ورفض ، ولا يخلو الأمر من اتهام للمؤلف بأنه يعبر عن مؤامرة كونية على البشرية، ولا بأس أن يتهم كل شعب الشعوب المهزومة في تدبير هذه المؤامرة وتشويه وجه التاريخ البشري المكتوب.
ولو افترضنا أن هناك محكمة دولية على مستوى المجرات ، فإن الشعوب المنتصرة ستسعى عن طريق منظمة المجرات المتحدة الى تقديم هذا المؤرخ الى محاكمة دولية بتهمة أنه يسعى لتخريب السلم العالمي وتشويه التاريخ المتعارف عليه ، وأن هذا العمل ينتمي الى بند التدخل في شؤون الغير، المحرم حسب قوانين المجرات.
وتلولحي يا دالية.
الدستور 2014-12-22