نهاية الحصار على كوبا !

ليس هناك ما هو أصدق من قول وكالة الانباء الفرنسية في 19/ 12/2014 أن الاعلان عن عودة العلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة وكوبا اشاع ارتياحاً في جميع أنحاء العالم وعلى وجه الخصوص في الاميريكتين واوروبا وحتى الصين، وبودي ان أضيف بأن هذا الارتياح قد عم كل الشعوب التي كانت على مدى نيف وخمسين عاماً تأسى للقطيعة بين الدولتين وتتألم للآثار المدمرة التي يخلفها الحصار الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا.. ولعل من الانصاف الآن ان نشيد بالمساعي الحميدة التي بذلها البابا فرانسيس (الارجنتيني الاصل) حين استضاف في تشرين الاول من هذا العام الفريقين المتفاوضين لتقريب وجهات النظر بينهما، فهو أبن أميركا اللاتينية ويعي تماماً ما تكنه شعوبها من تعاطف عميق مع صمود الكوبيين، وتلك مشاعر كنت لمستها بنفسي عندما زرت على مدى سنوات عديدة البرازيل وكولومبيا وبنما ولمست ايضا اعجاب شعوبها بالمواهب الفنية الفذة من رقص وغناء وموسيقى لدى الكوبيين وقد استمتعت بها حقا يوم قمت بزيارة كوبا في العام 2000 لكني حزنت كثيراً لحالة التقشف التي كان يعاني منها ذلك الشعب الصغير ويتحملها بكبرياء وطني عز نظيره في التاريخ.
ونحن إذ نشهد اليوم نهاية الحرب الباردة مع كوبا كما كتبت ايمي غودمان على(D.N.) في 18/12/2012 وقالت: ((صحيح ان فيها حكومة شيوعية لكن مثلها حكومتا الصين وفيتنام ولهما علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وأن من حق ال 11 مليون كوبي ومن حقنا نحن كجيران ايضاً ان تكون علاقاتنا حسنة على قدم المساواة وعلى قاعدة السلام)، فأن اي متابع بعد ذلك لا يقبل اختزال هذا الانتصار التاريخي لرغبة الشعبين الاميركي والكوبي الحقيقية في عودة العلاقات الطبيعية بينهما بأنه جاء فقط تحت ضغط المطالبين بالافراج عن الجاسوس الاميركي ألان غروس الذي اعتقل قبل خمس سنوات وهو يوزع أجهزة تجسس الكترونية على افراد من الجالية اليهودية الصغيرة العدد في كوبا أو الافراج عن السجناء الكوبيين الخمسة الذين اعتقلوا عام 1990 وحكم عليهم بتهمة التجسس على حكومة الولايات المتحدة لكنهم في الواقع كانوا في ميامي يخترقون المجموعات المسلحة للكوبيين الاميركيين الذي كانوا يستخدمون العنف للاطاحة بحكومة كوبا، ولا بناءً على جهود كندا الحليفة الاولى للولايات المتحدة في القارة الأميركية لانها استضافت قادةً كباراً من الجانبين للتفاوض في حزيران الماضي والتي - لدهشتي واستغرابي - لم تقطع علاقاتها قط بكوبا ولم تشارك في حصارها ! ولا على رغبة الرئيس باراك اوباما نفسه الذي اراد ان يسجل للتاريخ أنه نفذ واحداً من وعود كان قد قدمها لشعبه، بل لابد من العودة الى آراء متنوعة مثل مقال السناتور الاميركي السابق توم هايدن في 18/12/2014 الذي جاء فيه: (رغم أن الاعلام بشكل عام لن يعترف بأن تطبيع العلاقات الاميركية مع هافانا هو انتصار ضخم للثورة الكوبية فالحقيقة أن العلاقات عادت ليس على اساس استسلام الشعب الكوبي الصغير لشروط العملاق الاميركي، بل على اساس من الاحترام المتبادل).. (يعتقد مؤيدو الديمقراطية التشاركية في مواجهة اولئك الذين يدعمون سياسة تغيير النظام بالوسائل السرية أن الطريق الصحيح للانفتاح على الجزيرة الصغيرة هو في تخفيف التهديد الخارجي لها فبالرغم من الحصار وعمليات التخريب التي لم تتوقف ضدها بقيت كوبا تحتل مراتب متقدمة في سجل الامم المتحدة للتنمية البشرية بسبب انجازاتها المتميزة في مجالي التعليم والرعاية الصحية)، وأنا في هذه النقطة تحديداً أشهد وتشهد معي منظمة الصحة العالمية بكل سجلاتها التاريخية بأن النظام الصحي في كوبا هو من افضل ما في كل دول العالم.
وبعد.. فان الرئيس راوول كاسترو سوف يجلس قريبا الى نفس مائدة الاجتماعات مع الرئيس باراك اوباما في قمة الدول الاميركية الذي سيعقد في بنما، وهناك من يتكهن بأن لدى أوباما رغبة في ان يُرى مع افراد عائلته في شوارع هافانا.. قبل انتهاء ولايته الرئاسية! وربما التقوا بالزعيم التاريخي فيديل كاسترو !

الراي 2014-12-23