الإسلام بحاجة إلى من يفهمه
التقارير الصادرة عن كثير من مراكز الدراسات والأبحاث العالمية تفيد بأن الدين الإسلامي يعد من أكثر الأديان سرعة في الانتشار في الكرة الأرضية، وأكثرها إقبالاً لدى شعوب العالم، بالرغم من حروب التشويه وحملات الإعاقة التي يخوضها أعداء الإسلام على كل الجبهات وفي كل المجالات، ورغم ما يبذل من أموال، ورغم الآلة الإعلامية الموجهة المسخرة لهذا الهدف، ورغم تقصير المسلمين الشديد في توضيح مضامينه، وعجزهم عن توصيل معانيه إلى البشر.
ولو أن أبناء الدين الإسلامي وحملته، بذلوا جهدهم في فهمه بطريقة صحيحة، وبذلوا جهدهم في توضيح مقاصده، لكانت النتيجة أضعافاً مضاعفة، ولذلك من هذا المنطلق فإن الإسلام بحاجة إلى من يفهمه فهماً صحيحاً، وبحاجة أن يسلك أبناؤه مسلك البحث والدراسة من أجل التعمق في الوقوف على مقاصده وغاياته، ومن ثم امتلاك القدرة على اشتقاق النظريات العلمية وصياغة البرامج العملية القادرة على معالجة الواقع ومعالجة مشاكل الناس الحياتية.
الإسلام اليوم يحمله ما يزيد على مليار ونصف من البشر الذين ينتشرون على مساحة واسعة من الأرض، وموجودون في كل دول العالم، فهو لا يحتاج إلى مقاتلين وتفجيريين، ولا يحتاج إلى جز رؤوس وحز أعناق، ولا يحتاج إلى سيوف وخناجر، بقدر ما يحتاج إلى علماء وباحثين ودارسين، وبقدر ما يحتاج إلى إنشاء مراكز متخصصة في انتاج الأبحاث والدراسات التي تعالج الجزئيات الجديدة، وتعالج تطورات الحياة، ومن ثم توجيه العقل المسلم العام إلى بناء المؤسسات الرصينة القائمة على الفكر الصحيح والفقه الأصيل والنظرة العلمية الخالية من التعصب وليس أسيرة للهوى، وليست خاضعة لرهينة سلطان أو رغبة جاه.
من خلال التجربة في ميدان التدريس الجامعي ومن خلال الحوارات المباشرة مع أفراد المجتمع في هذا الشأن، نستطيع أن نقف على الفجوة الواسعة بين حقيقة الإسلام وجوهره، وبين ما عليه الناس في عمومهم، ونستطيع أن نقف على حقيقة الفهم السطحي المنتشر في الجيل حول معانيه الدقيقة ومضامينه الجوهرية، وتجد الناس يعيشون على أمور انطباعية متوارثة أسهمت وسائل الإعلام في نشرها وتعميمها بطريقة مرعبة، والأمر الأكثر خطورة في هذا المجال عندما تجد فئة كبيرة من الشباب الجدد المتشددين الذين يملكون روحاً واستعداداً للتضحية، ولكن لديهم ثقافة إسلامية مسطحة، وفهماً معوجاً ليس دقيقاً ويبتعد عن الصواب.
إن اشد جوانب الفكر الإسلامي ضموراً تلك المتعلقة بفلسفة الحكم وإدارة الدولة، بحيث تجد مصطلحات غائمة، ملتبسة وأفهاماً تراثية اجتهادية ولدت قبل مئات السنوات، في زمن مختلف وبيئة مختلفة، وأخذت نوعاً من القداسة، البعيدة عن جوهر النص والبعيدة عن مقاصد الشريعة الأصيلة، مثل الخلافة والإمامة والبيعة، وأهل الحل والعقد، وولاية العهد، وولاية القهر والغلبة، والقرشية وغيرها، بحيث لا يتعدى ما كتبه الماوردي سنة (450) للهجرة،وله كل الاحترام والتقدير والتبجيل ،فهو فقيه ومفكر مبدع بلا نزاع.
الإسلام دين عظيم وفلسفة حياة، وإطار حضاري للبشرية، يشكل مرجعية عظمى لمنظومة القيم، وزاخر بالمبادىء والقواعد العامة التي توجه العقل البشري نحو اكتشاف سنن الكون، وامتلاك أساسيات التفكير العلمي من أجل امتلاك القدرة على القيام بمهمة الخلافة في الأرض، وإعمار الكون، ورعاية المخلوقات ونشر رسالة الخير ومواجهة الشر، بكفاءة بشرية فائقة، تحققق السعادة لكل سكان الأرض.
الإسلام عامل بناء ونهوض وقوة ووحدة وتسامح ونماء وعزة، فيما لو وجد من يفهمه فهماً صحيحاً، ويبشر به بطريقة سليمة، في مواجهة من يحمله بطريقة مشوّهة ؛يجعل منه عامل هدم وإعاقة وتفريق للمجتمع، وصراعات دموية، لا تخدم الاسلام ولا الأمة ولا الأوطان ولا الأجيال.
الدستور 2014-12-25