هل لديكم أقوال أخرى؟
تلقى الأردن، خلال الأيام القليلة الماضية، سيلا من الانتقادات بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق 11 شخصا دينوا بجرائم قتل قبل سنوات. بيانات الأسف والتنديد جاءت من منظمات دولية مرموقة، وصديقة للأردن، مثل الاتحاد الأوروبي، وحكومات غربية، ومؤسسات معنية بحقوق الإنسان في العالم، وكان آخرهم المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد، الذي لم يكن أمامه من خيار سوى توبيخ بلاده على ما اعتبرها "خطوة للوراء".
المنظمات الحقوقية في الأردن، بما فيها المركز الوطني لحقوق الإنسان، تباينت ردود فعلها بين الأسف والشجب والإدانة للخطوة.
في مقابل ذلك، لقيت الخطوة تأييدا واسعا في صفوف الرأي العام الأردني، عكسته نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، التي أُعلنت أول من أمس.
ما من شك في أن الحكومة أخذت بالاعتبار ردود الفعل المتوقعة من طرف الجهات الدولية قبل الإقدام على الخطوة، وقدرت أن الخسائر المترتبة عليها لن تتعدى حيز "السمعة"، ولن تطال بند المنح في الموازنة. وأمس، حاول وزير الإعلام د. محمد المومني، بدبلوماسيته الناعمة، التخفيف من وقع الصدمة التي خلّفتها وجبة الإعدامات، بتذكير المنظمات الحقوقية بما قام به الأردن من تعديلات على قانون العقوبات، جعلت تطبيق عقوبة الإعدام في أضيق نطاق. وجدد التأكيد على تمسك الأردن بمعادلة الحرية والأمن، والتي وصفها بالمعادلة الصعبة.
تجميد عقوبة الإعدام لمدة طويلة ثم استئنافها من جديد، وبشكل مفاجئ، كان سببا رئيسا لحالة الاستهجان التي سادت أوساط الحقوقيين وأنصار "حق الإنسان في الحياة"، إضافة إلى أصدقاء الأردن في الاتحاد الأوروبي. لكنّ هناك سببا آخر دفع حتى بمؤيدي تطبيق العقوبة إلى الشعور بالهلع، وهو التنفيذ الجماعي لقرارات الإعدام، وما تلا ذلك من تسريبات لوسائل الإعلام من طرف مسؤولين أشرفوا على التنفيذ، لتفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة المحكومين قبل الإعدام.
ثمة معايير أخلاقية وإنسانية تم انتهاكها والتجاوز عليها، ربما تمس مشاعر عائلات من أعدموا، وخصوصياتهم كبشر بصرف النظر عن وصفهم كمجرمين حسب القانون وأحكام القضاء.
وإذا كان الهدف من وراء استئناف تطبيق عقوبة الإعدام هو إظهار هيبة الدولة في وجه التطاولات عليها، واحتواء الجريمة في المجتمع، فإن إعدام مجرم واحد كفيل بتوصيل هذه الرسالة. التنفيذ الجماعي للعقوبة بدا حدثا مروعا للكثيرين، ولا أعلم ما المشكلة لو أن تنفيذ القرارات جرى بشكل فردي، وعلى مدار أيام أو أسابيع؟
لقد نُفذ حكم الإعدام بأحد عشر محكوما، وما يزال هناك أكثر من 100 في السجون من المحكومين بالإعدام. والمؤكد أن أهالي الضحايا سيضغطون بقوة من أجل القصاص منهم، بنفس السرعة التي نفذت فيها وجبة الإعدامات الأولى. فهل سنشهد ذلك في الأيام المقبلة؟ وماذا ستكون ردة فعل أصدقاء الأردن إذا ما أقدم على إعدام 100 محكوم في غضون أيام؟!
ينبغي أن نكون واضحين في هذا الأمر؛ فبعد استئناف تطبيق العقوبة، لن تقبل قوى اجتماعية وعائلات الضحايا أقل من ذلك في حال صدور أحكام بالإعدام في المستقبل. أما الاعتقاد بأن تطبيق العقوبة لمرة واحدة ثم تعليقها مرة ثانية يكفي لتحقيق الغرض، فستكون له آثار وارتدادات سلبية على الدولة.
باختصار، إما أن نلتزم بتطبيق عقوبة الإعدام في الجرائم المنصوص عليها في القانون، أو نستجيب لدعوات إلغائها نهائيا.
هل لديكم أقوال أخرى؟
الغد 2014-12-25