حقيقة "شوربة"
الأغرب من اكتشاف حزب الله جاسوسا لإسرائيل يشغل موقعا متقدما في صفوفه، هو ما يُكشف من معلومات تعلن في تفاصيل الخبر وعلى هامشه. وهي معلومات لا يبدو أن الحزب ينكرها، حتى الآن، بل بحسب الأنباء التي تنقلها وكالات وصحف ذات مصداقية، يبدو أن مصدر هذه المعلومات هو الحزب ذاته.
إذ بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية مؤخراً، فإن "جهاز الأمن في حزب الله أوقف قبل ثلاثة أشهر عميلا ضمن صفوفه يدعى محمد شوربة"، وأن "التحقيقات بينت أنه بدأ التواصل مع الموساد الإسرائيلي في العام 2007". وبحسب مصدر الوكالة المطلع على التحقيقات، فإن شوربة "يتولى مسؤولية التنسيق في وحدة العمليات الخارجية المرتبطة بالأمن العسكري للمقاومة، والتي تعرف بالوحدة 910"، وهي المسؤولة عن "العمليات الأمنية" التي ينفذها حزب الله في الخارج.
ولفت المصدر المطّلع على التحقيق إلى أن شوربة "أفشل نحو خمس عمليات أمنية كان يخطط الحزب لتنفيذها في الخارج ضد أهداف مرتبطة بإسرائيل للثأر لمقتل قائده العسكري عماد مغنية" الذي قتل في دمشق العام 2008، في عملية اغتيال اتهم الحزب إسرائيل بالوقوف خلفها. ومن بين العمليات التي كان شوربة قد قدم معلومات عنها "تفجير انتحاري استهدف حافلة تقل سياحا إسرائيليين، ونَسبته بلغاريا إلى حزب الله"، وقتل فيه عددٌ من الأشخاص فعلاً.
ما تعنيه هذه المعلومات هو أنّ لدى حزب الله طاقم عمليات خارجي لا يتورع عن ضرب مدنيين وسيّاح خارج نطاق المواجهة الأساسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وفلسطين، وبما يعني تورط الحزب بأعمال في ساحات عالمية مختلفة، الأمر الذي يعقّد موقفه الدولي، ويسهّل اتهامه بالإرهاب، وتأليب العالم ضده. فهل يبقى صمت حزب الله دليل تأكيد؟ وإذا ما أخذنا بالاعتبار نشاط الحزب في سورية، والآن الحديث عن أوروبا، كما أن هناك الكثير من التقارير (التي باتت تكتسب الآن مصداقية) عن نشاط في أميركا اللاتينية، فإنّ هذا يدفع للتفكير مجددا في طبيعة نشاط وبرامج الحزب في الوقت الراهن، خاصة أنّه في ذروة مقاومته للاحتلال الإسرائيلي كان يركز نشاطه ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ما يثير تشويشاً كيف يمكن الجمع بين هذه الأنباء.
اللافت أنّ هناك صمتا إسرائيليا رسميا أيضاً، والصحف الإسرائيلية تكتفي بنقل ما تذكره الصحف اللبنانية والعربية.
أمر ثانٍ مهم، على صعيد تحولات الحزب، هو أنّ هذا ليس أول اختراق أمني. ففي العام 2011، كشف الحزب أن جهاز مكافحة التجسس لديه كشف حالتي تعامل على الأقل داخل الحزب مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وحالة تعامل ثالثة مع جهة استخباراتية لم يحددها. تضاف إلى هذا حالات مثل قصة رجل الأعمال اللبناني صلاح
عز الدين، الذي أعلن في العام 2009 عن تورطه في توظيف أموال وأخذ مبالغ طائلة من لبنانيين يدورون في فلك حزب الله بحجة توظيفها. وكان عز الدين قريبا من الحزب؛ يظهر في مناسباته ويتحدث فيها، ويحظى بتعاون عناصر الحزب في عمله، قبل أن يفلس في ظروف غامضة، ويفلس آلافh استثمروا معه.
باتت حالات الاختراق الأمني، والقضايا المالية والاجتماعية، التي تبرز على هامش الحزب، تشير إلى أنّ توسع هذا الأخير وتحول هياكله من منظمة مقاومة محدودة العضوية إلى مؤسسات بيروقراطية تضم شرائح اجتماعية ومؤسسات مالية واستثمارية، تجعله عرضة لمثل هذه الثغرات ونقاط الضعف.
أي منظمة مقاومة في العالم (وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذا ما حدث مع منظمات المقاومة الفلسطينية سابقا) عندما تنتهج النهج الدولاتي (أي تصبح أشبه بدول) تبدأ المشكلات بالظهور فيها، لأنها لا تعود إطارا مغلقا انتقائيا في أعضائه وعقائديا في سلوكه.
الآن تثير قضية شوربة إشكاليتين: الأولى، المؤشرات المتزايدة على قيام الحزب بالعمل في ساحات دولية، بما في ذلك استهداف مدنيين. وهذا أمر بالغ الخطورة والدلالة، ويحتاج إلى نفي قاطع ومثبت من الحزب، وإلا فإنّ معادلات كثيرة ستتغير، وتفتح الباب لاتهامه بالتورط في كثير من الساحات العربية والغربية. أما الإشكالية الثانية، فهي أنّ الحزب بتحوله إلى مؤسسات بيروقراطية ومالية، فقد كثيراً من سريته وإحكامه التنظيمي والفكري والعقائدي.
الغد 2014-12-30