حقا: «نحن في حرب»..!!
هل تفاجأنا بأننا في “حرب” ..؟ بالطبع نعم , وبوسع من يقول غير ذلك أن يدقق في أصداء الردود التي عصفت بمجتمعنا على امتداد الأيام الماضية ، فقد وقع الجميع في حالة من “الصدمة” بعد نبأ سقوط الطائرة و أخذ الطيار “معاذ” رهينة، وعندها فقط اكتشفنا اننا فعلا في حرب، وانه يمكن أن تصلنا في أي وقت أخبار غير سارة.
مع الصدمة ، توافقنا على أن أولويتنا هي استعادة “ معاذ “ ، وعلى ان الحديث عن الحرب ليس هذا وقته، لكن لا بد أن نسأل انفسنا : ما الذي فعلناه لتهئية مجتمعنا لاستقبال اهوال الحرب واستحقاقاتها ، وما الذي يمكن ان نفعله الآن لتجاوز ما تحمله من انواء قادمة ؟.
منذ ثلاث سنوات والمنطقة من حولنا تشتعل ، ومنذ اللحظة الاولى قررنا ان نخوض معركتنا في الداخل مع بعض الاشتباكات الضرورية في الملفات الخارجية ، كان عنوان هذه المعركة سياسيا، وكنا ندرك ان هذه المخاضات التاريخية اكبر من قدرتنا على مصادمتها، او الانخراط فيها ، ولذلك آثرنا ان نتعامل معها بمنطق الاستعياب وابتلاع ما يمكن ابتلاعه ، وقد نجحنا في ذلك وخرجنا من طابور انتظار الانفجارات بأقل ما يمكن من خسائر.
فجأة داهمتنا “داعش” وكنا نعرف تماما انها مجرد قناة تم تصميمها لتصريف المياه الراكدة في منطقتنا ، لكنها تحولت الى “وحش” خرج عن سيطرة الذين تعهدوا نشأته ورعوا حضانته ، وكان يمكن أن نفكر مليا في مقاربة سياسة تحمي بلادنا من امتداد هذا الوباء وتجنبنا الانخراط في حرب طويلة معه ، لكننا تحت ضغط حسابات الإقليم ومخاوف الانفراد والخروج عن السرب الدولي قررنا ان ندخل الحرب .
هل أخطانا أم أصبنا؟ هذا ليس وقت المحاسبة ، فأمام ازمة الطيار الرهينة لابد ان نؤجل الجدل ، لكن يبقى ان نعرف : الى اين نحن ذاهبون في منطقة تزداد اشتعالا ولا نستطيع - كما قال رئيس الوزراء امس – “التحكم بمقودها “ ؟ الاجابة بالطبع صعبة ولكنها ضرورية و ملحة ، وأعتقد أن من واجبنا جميعا ان ننهض للمشاركة فيها بعيدا عن الشد والجذب والتخذيل والتخوين .
في هذا السياق يمكن أن نقول بصراحة اننا ذهبنا الى الحرب ولم نتوقع ان نخسر فيها، كما اننا شاركنا في تحالف “مقلوب” كان هدفه القضاء على “داعش” دون ان يحدد متى ؟ولا ماذا بعد؟ ودون ان يفحص التربة التي خرج منها هذا التنظيم ، كما اننا لم نهيئ انفسنا لهذه الحرب التي قد تستمر لعشر سنوات او ربما اكثر، ولم نوحد خطابنا تجاهها ، فنحن حتى الآن لا نعرف هل هي حرب سياسية ام دينية وهل هي داخلية او خارجية وهل مواعظنا الدينية تكفي للتعامل معها ؟
يمكن ان نقول بصراحة ايضا اننا مستهدفون - كغيرنا - من الارهاب، لكن هذا الاستهداف لا يمكن ان نواجهه الا اذا نجحنا في تفكيك خطوطه ومصادره واتجاهاته ، واعتقد ان لنا تجربة امنية و سياسية ناجحة كان يمكن استثمارها واستئنافها مع الأخذ بالاعتبار تعقيدات هذا الملف على صعيد هذا الاقليم( سوريا والعراق) اذ ان المقدمات والمدخلات التي انتجت داعش تبدو مفهومة في سياقات ما حدث هناك على امتداد السنوات الماضية ابتداء من سطوة الطائفة وتهميش السنة وصولا الى ما فعله النظام السوري تجاه ثورة السوريين ومطالبهم ، ونحن كما نعرف لا علاقة لنا بهذه الصراعات ، ولا يوجد لدينا حواضن لها ، كما ان امتدادها الينا عبر الحدود في الأمد الراهن غير متوقع ، واذا حصل فلدينا القدرة على مواجهتها .
ما يمهمنا الآن امران ، الأول : ان نعترف اننا في حرب واننا قررنا ان نخوضها ، وسواء اختلف البعض حول هذا القرار أو تحفظوا عليه فإنه أصبح أمرا واقعا ولا يجوز ان نتعامل معه الا بمنطق الدولة عندما تكون في حالة حرب، اما الأمر الآخر فهو ان نبدأ على الفور بالعمل على مسارين: احدهما يتعلق بمراجعة موقفنا من هذا الملف لتحديد اتجاه بوصلتنا في المستقبل ، والآخر يتعلق بتهيئة مجتمعنا للتعامل مع المستجدات القادمة مهما كانت ، وهذا يحتاج الى ان نحسم اجاباتنا على اسئلة داخلية ما زالت معلقة حول صلابة جبهتنا الداخلية ومسارا تنا السياسية والاقتصادية ، و على اسئلة اخرى تتعلق بتطورات الاقليم وتحالفاته وحدود التعاون او الاشتباك مع الملفات الاخرى التي اصبحت جزءا منه.
باختصار ، لابد أن نعرف الى اين نسير وفي أي اتجاه، ولابد ان نتوحد على قرار مهما كان هذا القرار ، وان نخرج من دائرة الشك والتلاوم والصدمة الى دائرة التوافق والشراكة، واذا كان هذا مطلوبا في وقت الرخاء والسلم فإنه يبدو واجبا في وقت الحرب ، ونحن حقا في حرب لا نعرف - حتى الآن - متى ستنتهي ولا كيف..؟
الدستور 2014-12-30