جرثومة التخلف
د. مراد وهبة فيلسوف ومفكر عربي.. عقد العديد من مؤتمرات الفلسفة الدولية في القاهرة، شارك فيها ابرز فلاسفة العالم.. ولاقى من ورائها هجوما شرسا من شرائح متعددة من المثقفين وبعض رجال الدين، الذين يرون في الفلسفة عدواً قديما للدين! للدكتور وهبة كتاب «جرثومة التخلف» وهو عبارة عن جملة من الأحاديث الصحفية التي أجريت من عام 1979 حتى عام 1983.. وكلها تدور حول قضايا ثقافية معاصرة ذات بعد سياسي.. ومحكومة برؤية فلسفية مستندة الى الثورة العلمية والتكنولوجية في بعديها الكوكبي والكوني! هذه القضايا تنطوي على فكرة محورية واحدة، وهي الكشف عن جرثومة التخلف التي تعيق التطور الحضاري في الوطن العربي!
يرى الدكتور وهبة ان حضارات العالم الثالث هي حضارات معزولة منذ عدة قرون، بسبب الغزو الاستعماري من الخارج وسيطرة الاسطورة من الداخل، وان مجتمعات الشرق الاوسط يغيب عنها عصران لا غنى عنهما في ازالة التخلف: عصر الاصلاح الديني في القرن السادس عشر، وعصر التنوير في القرن الثامن عشر. العصر الأول هو تحرير العقل من سلطة المؤسسة الدينية،
والعصر الثاني هو عصر تحرير العقل من كل سلطان، ما عدا سلطان العقل! ويرى الدكتور وهبة ان ابن رشد العربي كان فكره ممهدا لعصر التنوير الذي تميزت به الحضارة الغربية في القرن الثامن عشر، فبينما تم اجهاض فلسفة ابن رشد في العالم العربي اثر ما يسمى بنكبة ابن رشد.
وهي النكبة التي حدثت حين اصدر المنصور امرا بنفي ابن رشد.. قام الغرب ممثلا بالامبراطور فردريك الثاني بالأمر بترجمة مؤلفات ابن رشد ونشرها. فابن رشد العربي ميت في الشرق، لكنه حي في الغرب! والدليل ان ابن رشد اتهم بالزندقة، لا لسبب إلا لأنه اعطى الصدارة للعقل!
يرى الدكتور وهبة ان الفكر العربي لم يسر على وتيرة واحدة، وانما يترنح بين مرحلتين: مرحلة التمرد ومرحلة الجمود. اما المرحلة الثالثة والغائبة فهي مرحلة الثورة، التي تعني التغيير الجذري للقيم الفكرية المتوارثة. وان كل ما هو مشاهد من تغيير ثقافي انما يقف عند حد التمرد ولا يتعداه. وبذلك يكون فكر رفاعة الطهطاوي وطه حسين فكرا متمردا، أي اجراء تغييرات جزئية مع المحافظة على الإطار المتوارث.
اما الصراع في هذا العصر، فيرى الدكتور وهبة انه يدور على الاختيار بين الرأسمالية والاشتراكية، وان اي تجاهل لحقيقة هذا الاختيار ليس الا محاولة لاخفاء ملامح الصراع. وحينما يصور الصراع على انه يقوم على الاختيار بين الالحاد والايمان فانه يتجاهل ان اي ايمان لا قيمة له بمعزل عن الانسان. ومن هنا تأتي حتمية المضمون الاجتماعي للايمان!