الأردن والحرب التي تقودها أمريكا

تتعامل الولايات المتحدة مع العديد من الملفات السياسية في ذات الوقت ويكفي ان تتابع تصريحات الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية «ميشيل بسكاي» لتتعرف على حجم وعدد هذه الملفات، تنتقل «بسكاي» في مؤتمرها الصحفي بين الملف اليمني والسوري ثم العراقي ثم الارهاب ثم الى الاردن والملف الفلسطيني، عودة الى الملف الليبي. هذه فقط ملفات المنطقة فهناك الملف النووي الايراني واوكرانيا وافريقيا.
ملف عملية الشهيد الطيار الكساسبة والحرب على الارهاب وعلاقات دول التحالف واستراتيجياته احد الملفات المهمة لكنه ليس الوحيد على قائمة اولوليات الادارة الأمريكية، فهي مشغولة بملف مفاوضات الملف النووي الايراني، ولا تريد تصعيدا يخلط الارواق ويعيق التقدم الذي تحرزه مع طهران، الموقف ذاته من زيارة «نتنياهو» لواشنطن في آذار حيث سيلقي خطابا في البيت الابيض يهاجم فيه إيران ويدعو الى تشديد العقوبات عليها على خلاف رغبة البيت الابيض لدرجة ان «بايدن» نائب الرئيس الأمريكي أعلن عدم حضوره جلسة الاستماع لخطاب نتنياهو، فالملف النووي الايراني حاضر في كل الملفات التي تديرها أمريكا في العالم العربي؛ لدرجة انها، تجنبا للحرج فيما يتعلق بالملف اليمني المترافق مع اجتماع «ميونخ» لمواجهة الارهاب، تفضل احالة الملف اليمني الى مجلس الامن؛ فالملف النووي الايراني يحتل سلم الاولويات الآن، يليه ملف المفاوضات المتعلقة باوكرانيا وتهديدات واشنطن بتسليح الجيش الاوكراني.
السرد الذي بدأناه في هذه المقالة كان ضرورة لفهم الصورة الكلية لمشهد السياسة الأمريكي للتعرف على حقيقة الموقف الأمريكي من المواجهة التي يخوضها الاردن ضد تنظيم الدولة، والتصعيد الكبير الواضح في الاداء العسكري الذي بلغ الموصل بالقرب من عمليات الجيش العراقي وفيلق القدس الايراني؛ الامر الذي يثير مخاوف طهران، المواقف الأمريكية تبدو متناقضة ومتضاربة بين وزارة الدفاع البنتاغون والكونغرس الأمريكي؛ ففي حين ان المرشح لتولي مهام وزير الدفاع «اشتون كارتر» قال بأن أمريكا ستنظر بمبيعات الاردن من الاسلحة فان الكونغرس او على الاصح اعضاء في الكونغرس يطالبون بتسريع تقديم المساعدت العسكرية؛ اي إن المسألة مازالت قيد التداول والنقاش.
المواقف بدورها تتضارب في الصحافة الأمريكية والمجلات السياسية بين من يشيد بالاردن وهم قلة، وبين من يدعو الاردن الى عدم المبالغة في رد فعله؛ فالحرب طويلة وأمريكا من يقرر مسارها وفعالياتها اليومية، ففي النهاية هي حرب تقودها أمريكا وليس الاردن.
المنطقة والاقليم والساحة الدولية تعيش تجاذبا قويا بين اقطاب متعددة وملفات مشتعلة، ويجب ان يتنبه الاردن الى هذه الحقائق كي لايقع ضحية التصارع الاقليمي والدولي، ويظهر التجاذب بقوة بين ايران و»اسرائيل» في الملف النووي بل والقوى الاقليمية العربية في الملف اليمني والسوري واللبناني والعراقي والفلسطيني، كما ان هناك قوى جذب هائلة في الملف الاوكراني امتدت اثارها نحو مصر على سبيل المثال، وفي الوقت الذي تدعو فيه أمريكا الاردن الى التروي، فان دولا عربية تدعوه الى توسيع عملياته فيما يبدو، لذا يجب ان يدرس الاردن خيارته بدقة حتى لا يتحول الى مجرد ورقة يتم التلاعب بها في الاقليم والعالم، خيارات تنسجم مع متطلبات امنه العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
(السبيل 2015-02-08)