ربيع لا يشبه ثورات 1848

بين حالة "الانكار" والتشوش والاضطراب المعرفي التاريخي ، لا يريد بعضهم ان يراجع مقارباته مما شهده الوطن العربي قبل سنوات، محاولا الاتكاء على إسقاطات وقياسات تاريخية خارج سياقاتها وقوانينها.
ومن أبرز هذه الإسقاطات، الاستدعاء المقحم على الزمان والمكان العربيين لثورات 1848 في اوروبا، وكذلك استدعاء جون لوك وكتاباته عن الحرية بعد تجريدها من زمنها وحقبتها:
1.لقد جاءت ثورات 1848 في سياق الثورة البرجوازية الصناعية، وتحطيم أنماط الانتاج السابقة وأنماطها المعرفية وطبقاتها الاجتماعية، وكانت الحركة العمالية وتياراتها اليسارية والثورية المحرك الاساسي لهذه الثورات…
فاندمجت المطالبات بثورات دستورية، وعقد اجتماعي مدني جديد مع المطالبات بثورات طبقية بروليتارية، وكان "الماغناركاتا" او المانيفستو الجديد الخاص بها، حول "البيان الشيوعي" كما صاغه ماركس وانجلز..
ولو قارنا هذه الظروف بالحالة العربية لوجدنا فرقا شاسعا لا يسمح بأي شكل من أشكال المقارنة والقياس عليها، سواء من حيث الظروف "الموضوعية" او من حيث القوى والعوامل الذاتية.
فالعرب لم يحققوا الحد الأدنى من شروط الثورة البرجوازية الصناعية القومية، لا من حيث التحولات الاقتصادية ولا من حيث بلورة مبادرات عمالية ثورية حيوية، وهي التحولات التي ارتبطت ايضا ببلورة الوحدة القومية المؤهلة لنقل المجاميع الطائفية العشائرية الى مجتمعات مدنية قومية
وإلى خطاب حديث، قوامه الاختلاف وفن ادارة الصراع الطبقي والسياسي.
وعلى خلاف ذلك، فنحن ما زلنا أقرب الى المجاميع قبل الرأسمالية، وقبل المجتمع المدني، وقبل الوعي السياسي المعاصر، وأقرب الى ثقافة الكراهية لا ثقافة الاختلاف والصراع السياسي الحديث، وبما سمح للجماعات المتخلفة والطائفية المريضة ان تشغل "الفراغ" الناجم عن أزمة وإفلاس الدولة القطرية.
2.أما الاتكاء على فيلسوف الحرية، جون لوك، صاحب "رسالة التسامح – مقالتان في الحكومة المدنية"، فهو اتكاء خارج سياقه ايضا، بالنظر الى أن لوك عندما ربط الحريات السياسية بحرية الاسواق البرجوازية، كانت البرجوازية آنذاك، ظاهرة تقدمية قياسا بالاقطاع، ولم تنقلب الى عنوان للتبعية والقهر الرأسمالي للشعوب والطبقات المظلومة.
(العرب اليوم 2015-02-09)