شيطان الغرب يحوم فوق الشرق

أليست صور الشر الشائعة، هي صورة الشيطان وهو يحمل رمحا مثلثا يقطر الدم منه، بالاضافة للعظمتين اللتين تشبهان شعار القراصنة، وكذلك صورة السفاح صاحب القناع المرعب والبلطة الطويلة التي تشبه المنجل.
فبماذا تختلف الصورتان عن الصور التي تظهر فيها جماعات الاسلام التكفيري الارهابي، مشهد الدم والرايات والاقنعة والبلطات.
واذا عرفنا ان صورة الشيطان تحديدا هي من تصميم محاكم التفتيش في القرون الوسطى نقلا او تعديلا لصورة قديمة، فلماذا لا نصدق ان ورثة محاكم التفتيش من الدوائر والمخابرات الاطلسية "الامريكان والإنجليز والفرنسيين" هي التي اعادت انتاج صورة الشيطان معدلة عبر صورة الجماعات التكفيرية وشعاراتها.
وقد لا يعرف بعضهم ان صورة جبهة النصرة وداعش وبقية الجماعات التكفيرية، وهي تروج لسوق الجواري او لقطع احد الرؤوس، تشبه لوحات الرسامين وروايات المستشرقين المبعوثين من قبل الدوائر الاستخباراتية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وذلك في اطار ترويج صورة "الرجل المتوحش والجواري" للشرق، تبريرا ومقدمة لاستعماره بذريعة التمدن.
وتحضر هنا لوحات جيروم ورينيو ودولاكروا عن سوق الجواري والسبايا والعبيد، كما تحضر اعمال روائية عديدة على غرار روايات فلوبير التي تدمج قطع الرؤوس باغواءات سالومي وملكة سبأ.
وإذا كان من استدراك هنا، فهو ان الاستشراق والأدب الالماني والروسي كان اقل فظاظة من غيره.
وبالمجمل، نحن ازاء صورتين عن الغرب والشرق تجري استعادتهما بعد كل هذه القرون على ايقاع عودة النزعات الاستعمارية ورائحة الغاز والنفط والذهب، ولا افضل من كذبة التمدين بالقوة، ولا سبيل لذلك بعيدا عن الذرائع والادوات نفسها، في اتجاهين،:-
اتجاه يستغفل الوجدان والمشاعر البسيطة عند جمهور المؤمنين، واتجاه يسمح بتعبئة الرأي العام ضد المتوحشين، حملة البلطات والعظمتين والاقنعة السوداء.
واذا كان الفيلسوف الالماني شبنغلر، والى حد الكاتب المستشرق بلانت، قد حذرا من عودة الهمجية الى اوروبا والغرب عموما باسم "الهمجية العليا" فما من مفهوم او معطى لا ينتج نقيضه الهمجية الدنيا، حيث تتقاطع السلفية التكفيرية الدموية جنوبا مع عودة النازية الفاشية شمالا، ومن اوكرانيا الى احياء باريس الى مناطق الزنوج في الولايات المتحدة.
(العرب اليوم 2015-06-15)