تدمر.. عروس الصحراء

تدمر مدينة سورية تقع في وسط الجمهورية العربية السورية. اسمها عروس الصحراء واسمها لؤلؤة الصحراء. وهي ذات اهمية تاريخية، حيث كانت عاصمة مملكة تدمر. وهي الان مدينة سياحية تبعد 215 كم عن مدينة دمشق الى الشمال الشرقي منها وقتع على بعد 150 كم الى الجنوب الغربي من نهر الفرات و160 كم شرق مدينة حمص ونهر العاصي.

وتدمر هو اقدم اسم للمدينة، وقد ذكرت في المخطوطات البابلية التي وجدت في مملكة ماري على الفرات وتعني بلد المقاومين باللغة العمورية، واسمها باللغة السورية القديمة الارامية "تدمرتا" ومعناها المعجزة او البلد الذي لا يقهر، وفي اللاتينية اسمها بالميرا. وقد علا شأنها بعد ان اصبحت عاصمة لمملكة من اهم ممالك الشرق وازدهرت بشكل خاص في عهد ملكتها زنوبيا وهذا اسمها باللاتينية، والزباء اسمها بالعربية.

وفي زمنها ازدهرت فيها التجارة الصادرة منها والواردة اليها من الشرق والغرب، وبسطت نفوذها على مساحة واسعة واصبحت مدينة تدمر في عهد الملكة زنوبيا محطة تجارية مهمة بين اسيا واوروبا لموقعها المتميز بين نهر الفرات والبحر الابيض المتوسط وبلغت اوج ازدهارها في النصف الثاني من القرن الاول الميلادي. وصار لها حضارتها الباهرة التي نافست حضارة الامبراطورية الرومانية القديمة في روما. حيث كانت مدينة تدمر تحمل طابع المدن الاغريقية الرومانية بابنيتها الملكية ومساكن الادارة وطراز الابنية العامة والخاصة التي تتميز بالفخامة فقد كانت اغنى المدن واكثرها ثراء وعظمة، وكان لها معاملاتها التجارية مع كافة الحضارات المعاصرة لها في الشرق والغرب، وكانت مراسلاتها التجارية تتم باللغة الارامية مع الشرق وباللغة اللاتينية مع الغرب.

كانت تدمر احد ممرات طريق الحرير التاريخي من بلاد ما وراء النهرين انذاك الى افريقيا والجزيرة. وكانت مملكة تدمر العربية في الزمن القديم تدين بالوثنية غير انها كانت اولى الممالك التي تتسم بالتسامح الديني؛ اذ عثرت البعثات الاثرية على الكنائس المسيحية وعلى الكُنُس اليهودية، وعلى معابد لمتعبدي النار والشمس والخمر واللات والعزى. وحتى الان يوجد في متحفها تمثال للات ولزاخوس اله الخمر، وعشتار الهة الخير وبل حامي المدينة اله الشمس.

اعتنى التدمريون بالزراعة، وواحة تدمر يزرع فيها كل انواع المزروعات واهمها النخيل، وقد نظموا الاقنية المتطورة واساليب الري واقاموا السدود لحجز وجمع الماء، وتنظيم التوزيع وفق نظام وترتيب متطور، وحفروا الابار للشرب والري، وشيدوا الاحواض والخزانات.

تعتبر مدينة تدمر في علم الاثار العالمي، من اقدم المدن التاريخية في العالم اذ تنتشر اوابدها على مساحة كبيرة؛ مثل الشارع المستقيم الذي تحيط به الاعمدة وقوس النصر والمسرح والمدرج والساحة العامة والقصور والمعابد واهمها معبد بل والمدافن الملكية وقلعة ابن معن، وتماثيل واثار كثيرة تنطق بعظمة هذه المدينة العربية القديمة التي نافست روما عاصمة الامبراطورية الرومانية، ايام مجدها وعظمتها واصبحت عاصمة لاهم ممالك الشرق.

كان ملك تدمر الملك اذينة الثاني قد عمل على توسيع رقعة مملكته وازدهارها وكانت ضمن الامبراطورية الرومانية غير انها تتمتع بالسيادة والاستقلال اي بالحكم الذاتي. وكان الملك اذينة الثاني وزوجته زنوبيا يعملان سرا على الانفصال عن روما غير ان الرومان علموا بذلك وتم اغتياله مع ابنه الكبير في حفلة صاخبة على أيدي امراء من عائلته وبالذات ابن اخته معن الذي كان يطمع بتولي الحكم من بعده من قبل روما؛ الا ان زوجته زنوبيا تولت الحكم مكانه باسم ابنها وهب اللات الصغير وامرت بتنفيذ حكم الاعدام بالمتآمرين وفرضت سلطتها على تدمر، وكان عمرها انذاك 14 عاما، وازدهرت تدمر في عهدها وامتد نفوذها شرقا وغربا وجنوبا. وكانت امرأة ذكية وقوية العقل والشخصية والشكيمة وفارسة شجاعة قادت جيشها في الحروب بنفسها. وقد اتسعت مملكتها حتى شملت باقي مناطق سورية، وامتدت من شواطئ البسفور حتى النيل، واطلقت عليها الامبراطورية الشرقية مملكة تدمر. واصبحت اهم الممالك واقواها في الشرق. ما دعا الامبراطور الروماني اورليانوس للتفاوض معها لتأمين حدود امبراطوريته ولوقف زحف جيوشها مقابل الاعتراف بالقاب ابنها وهب اللات وامتيازاته الملكية.

وفي عهدها اصدرت الملكة زنوبيا العملة الخاصة بتدمر وصكت النقود في انطاكيا وعليها صورة ابنها وهب اللات وعلى الوجه الاخر صورة امبراطور روما لتكون عملة تدمر الى جانب العملة الرومانية في التعامل، ووسعت المملكة بضم الكثير من البلاد اليها ما اثار حفيظة الامبراطور الروماني اورليانوس؛ فقرر التصدي للمملكة التدمرية القوية بقيادة الملكة زنوبيا.

ارسل اورليانوس جيشا مجهزا جيدا الى مملكة تدمر وقاد هو بنفسه جيشا آخر تجاهها. ودارت بينه وبين جيش مملكة تدمر بقيادة الملكة زنوبيا معركة كبيرة قرب انطاكيا في سورية وهزمها. فانسحبت الملكة زنوبيا بجيشها الى تدمر وحصّنتها جيدا ودارت بينها وبين الامبراطور اورليانوس معركة شرسة عرض فيها عليها التسليم وخروجها سالمة من المدينة التي لن تمس فرفضت. وعادت لمحاربته مرة اخرى قرب الفرات فهزمت بعد معارك ضارية ووقعت في الاسر، ولاقاها اورليانس في ميدان القتال واحسن معاملتها وكان ذلك عام 272م واخذها معه الى روما. وتوفيت عام 274م في ظروف غامضة.

هذه هي الملكة العربية زنوبيا ملكة تدمر التي قاومت بشجاعة وبطولة المحتل الروماني في الزمن القديم والتي سطر التاريخ القديم في الشرق والغرب لتدمر المملكة العظيمة ولملكتها الملكة زنوبيا العربية المقدامة ابهى الصفحات المضيئة!!

وبعدها اصبحت تدمر وملكتها النبيلة الشجاعة قصة اسطورية تخلب الالباب في العالم الغربي بعد عصر النهضة. ومصدر ايحاء والهام للادباء والفنانين والمثقفين الفرنسيين والغربيين في المسرح والادب والفن.

ها هي تدمر التي استعصت على الغزاة!! ردحا طويلا من الزمن في عهد الرومان؛ وها نحن نعاصر سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" عليها في 20/ 5 /2015 في خضم الحرب الدائرة رحاها في سورية. حيث سيطر داعش على تدمر بالكامل وبذلك فتحت الطريق له الى بادية الشام.

وقد اثار دخول هذا التنظيم الى تدمر مخاوف كبيرة في مقدمتها مخاوف منظمة الاونسكو، نظرا لغنى المدينة بالاثار القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي، والتي سبق لداعش ان دمرت شبيهاتها في العراق.

وقد حذرت المديرة العامة للاونسكو من ان تدمير تدمر الاثرية السورية التي سيطر عليها داعش سيشكل خسارة هائلة للبشرية حيث ان تدمر موقع تراث عالمي فريد في الصحراء. واي تدمير لمدينة تدمر لو حصل لن يكون جريمة حرب فحسب وانما خسارة هائلة ايضا للتراث القديم.

ومن جهته وجه مأمون عبدالكريم المدير العام للمتاحف والاثار السورية نداء الى المجتمع الدولي من اجل انقاذ مدينة تدمر.

والسؤال المطروح ازاء ذلك، بعد سقوط تدمر في ايدي داعش؛ هل تدمر التنظيم ارث الماضي السوري العريق العتيق؟!.. ليتحكم في المستقبل!

(العرب اليوم 2015-06-22)