ما بين القومية والإسلام

تم نشره الثلاثاء 30 حزيران / يونيو 2015 12:58 صباحاً
ما بين القومية والإسلام
هند التونسي

القومية العربية من ناحية علمية هي ايديولوجية تقوم على الوحدة والديمقراطية والعلمانية. والقومية لا تتجزأ وانما هي واحدة موحدة الاهداف والتوجهات. واما الاسلام من ناحية علمية فيقوم على العقائد والعبادات، وبرز في العصر الحديث انواع من الاسلام:

1 – الاسلام السياسي القائم على المعاملات والعلاقات المجتمعية والسياسية الجارية باسم الاسلام.

2 – الاسلام الثقافي الحضاري القائم على اخلاقيات وقيم ومُثل الاسلام.

الديمقراطية والعلمانية تقومان على حرية المعتقد وحرية الممارسة الدينية والسياسية، مقابل حرية الدولة المنتخبة في سن القوانين التي تلبي حاجات المجتمع في التماسك والتقدم وتحقيق المصير والعمل من اجل الجميع دون تمييز. والاسلام السياسي ينكر على القومية وجودها بحكم التطور التاريخي. كما ينكر على التاريخ تطوره. ويرى فيه انحدارا لا يمكن تحديه الا بالرجوع الى عصر الراشدين، ويراه كفرا تسلل الى قلوب المسلمين؛ فأخرجهم عن ايمانهم.

والاسلام السياسي في المرحلة الاخيرة تطور بعنف شرس!! فبدلا من نشر الايمان بالطرق السلمية نشر الذعر والشحناء والتعصب؛ فغرق المسلمين بدلا من ان يوحدهم، وزاد مشكلات المجتمع بدلا من ان يحلها. والاسلام السياسي العنيف المتطرف يعمل على اذكاء المذهبية والطائفية في المجتمع. وهو ايضا ضد المسلم مهما كان مذهبه الذي يعيش الحداثة طبقا لتطور التاريخ. وهو ضد التعايش في عالم عربي مع طوائف ومذاهب تعيش في حضنه منذ الاف السنين بامن وسلام واستقرار. فالعالم العربي – قبل ما نعيشه هذه الاونة – هو الوحيد في التاريخ الذي لم يعرف المذابح الدينية التي عرفتها اوروبا؛ برغم كثرة ما عرف من المشاحنات بين طوائف المسلمين المتصارعين على السلطة، فأهل الكتاب في البلاد العربية على مر التاريخ لم يمسهم اي مكروه في غالب الاحيان، لانهم حسب الدين الاسلامي لهم ذمة الله ورسوله، ما داموا لا يتعاونون مع اعداء المسلمين.

والاسلام السياسي يزج بالدين في حمأة الصراع الديني والطائفي والمذهبي والقومي. فتنقلب المعادلة لديه ليصبح الدين سياسة، والسياسة دينا!؟ وبذلك يحرم الدين من تسامحه ونقائه وعدله بين فئات المجتمع، كما تحرم السياسة من الأخلاقيات والقيم الانسانية!!

فالدين الحق هو شد اللحمة بين فئات المجتمع. وبين المجتمع والحاكم على اسس الرحمة والعدل والمساواة والشورى في كل اعباء التكليف والمواطنة والحرب. ان الفهم القائم على توجيه الاهداف السياسية العليا نحو المثل الدينية السامية وعلى تحديد مركز الدين ورسالته في المجتمع هو الذي سيطر على الحقبة الراشدية منذ ان انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الملأ الاعلى؛ حيث بدأ حكم الخلفاء الراشدين وتوليهم الخلافة، بالتوافق بين اهل الحل والعقد. وفي سقيفة بني ساعدة توافقوا على ابي بكر الصديق ليكون اول الخلفاء الراشدين.

بموت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي. ومنذ ذلك التاريخ بزغت السياسة. وكانت تهيمن على مجريات التاريخ العربي طيلة الفترة الراشدية، باستلهام توجهها الاسمى من الدين الاسلامي. وكانت السياسة حينها اجتهادا ضمن الدين، ولم تكن بديلا عنه. وكانت سياسة الراشدين تستوحي من الدين مبدأه الاسمى في وحدة المجتمع العربي المسلم؛ برغم ان مقتل عمر وعثمان وعلي والحسين كان نتيجة صراعات سياسية تمثلها قوى المجتمع حين تعارضت مصالحها وتوجهاتها. ورغم هذا الصراع حرص كل الاطراف على وحدة الامة، وعدم انفصال اي منها مستقلا بنفسه. وانتقل هذا الحرص الى التشكيلات السياسية التي انشقت من اطراف الصراع. والاسلام لم يعرف منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم زمنا كانت فيه السياسة تندمج مع الدين. وعصر المجتمع الراشدي كان عصرا ذهبيا بالتآلف والاخاء والوحدة وعدم التمايز. وقد ترك لنا العصر الراشدي وحدة الامة ووحدة الهدف، وبفضل ذلك عزت العرب، وانتشر الاسلام، وقد تمثل الاسلام ثقافات العالم القديم الذي انتشر فيه واضاف اليها؛ حيث استطاع ان يشكل طريقة للحياة عند الشعوب التي اعتنقته. فمنحها منظورا للعلاقات الاجتماعية ومعنى اخلاقيا للحياة وما بعد الحياة.

ولم تعد طريقة الحياة الاسلامي وقفا على المسلمين من العرب؛ بل اصبحت طريقة حياة للمجتمع العربي والعرب غير المسلمين فيه.

وهكذا كان الاسلام.. وسيظل دينا ومجتمعا نموذجيا! وبناء على ذلك اجمع المفكرون القوميون على ان العروبة هوية حضارية غير قائمة على الانتماء العرقي او الديني، لان الاسلام اصبح طريقة حياة وناظما لقيم المجتمع العربي. ان الحياة السياسية العربية العليلة، تعاني منذ زمن من التجزئة والاستبداد. فالتجزئة تحول دون اي اجماع او تعاون او تنسيق بين الدول العربية، كالوحدة في الدفاع والاقتصاد والسياسة الخارجية، والاستبداد يغطي على الفساد والقمع وسوء الادارة والتخطيط. والفكر القومي يجابه هاتين الظاهرتين بالدعوة الى الوحدة والديمقراطية. وبالديمقراطية يتساوى المواطنون امام القانون، ويصبح الحاكم مسؤولا امام المحكوم عن طريقة استخدامه للسلطة، وتصرفه بالاموال العامة ومواقفه في السياسة الدولية؛ بما يخدم اهداف مجتمعه وامته. بالوحدة تجتمع كلمة العرب ومواردهم وقوتهم ضد التخلف والفقر والغزو والنهب، ويتمكنون من انشاء كيان سياسي يصمد امام التحديات بانواعها وامام التغريب ومشاكل المجتمع. فتتكاتف طاقات المجتمع العربي الفكرية والمالية والمدنية لايجاد مجتمع عربي ديمقراطي يجد فيه كل فرد ان انتماءه له كفيل بتحقيق ذاته الفردية والاجتماعية والسياسية.

وبهذا الانتماء تتبلور الشخصية القومية العربية وتزدهر وتجد سبيلها مجددا الى الاسهام في صنع الحضارة الانسانية.

(العرب اليوم 2015-06-30)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات