ماتت روزا قبل ما يخف الجورجيت

تم نشره الإثنين 07 أيلول / سبتمبر 2015 12:51 صباحاً
ماتت روزا قبل ما يخف الجورجيت
د. ديمة طارق طهبوب

يروي أبي عن جدتي رحمها الله ان عمتها كانت لها ابنة غاية في الجمال ماتت صغيرة في سن السادسة عشرة فكانت كلما رأت التطورات على لباس النساء بالتلوين المبالغ فيه والتضييق والكشف تسري عن نفسها فتقول: «الحمد لله اللي ماتت روزا قبل ما يخف الجورجيت» والجورجيت كان القماش الذي يصنع منه غطاء الوجه وكان أسود غامقا ثم بدأ يخف تدريجيا تعذرا بالرؤية والحرارة حتى نزع النقاب تماما وتبعه الحجاب في مدينة الخليل حيث كانت النساء تلبس طاقة فوق طاقة وكأنهن دروع محصنة!

لو كانت العمة أم روزا تعيش الان ورأت التحولات على اللباس والازياء والاخلاق والفكر لتمنت ان تموت هي بنفسها قبل ان تشهد يوما تتعرى فيه النساء المسلمات قصدا وأمام محارمهن! وذلك البهلول من الرجال يبتسم لابنته او زوجته او اخته بل وربما يلقي عليها عبارات الاعجاب والثناء! أو يلبسن ولكن لباسهن هو عري مقنع كما وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم «كاسيات عاريات».

ان النظر الى ثقافة اللباس والازياء كأمور ثانوية هو تسطيح للقضية وحصر أعوج لها في عالم القماش والالوان والموضات بينما هي في الحقيقة أفكار واخلاق وممارسات تتجلى أخيرا في الاختيار، فعندما عصى آدم ربه وأذنب كان العري وظهور السوءات اول عقوبة ظاهرة وكان اول التكفير بالمسارعة الى الستر «وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة» وفي ذلك رسالة واضحة ان المظهر مرتبط بالمخبر والجوهر ومخبر عنه وعن التحولات التي تطرأ عليه.

وبعيدا عن الفرضية والواجب الديني الذي يضع اطارا معينا لملابس البشر، رجالا ونساء، فلقد جاء علم الطاقة مثلا الذي يستحوذ على اهتمام البشر حديثا ليؤكد أهمية تغطية منطقة كالبطن لان كشفها يؤدي الى فقد الطاقة ونقص المناعة وبالتالي الاصابة بالامراض، ولو جئنا وطبقنا هذه الجزئية والمثال على عالم الازياء لوجدنا انتشار الموضات المخصصة تماما لاظهار هذه المنطقة وقد انتشرت وتم توطينها في بلادنا بأسماء مثل «بابا سمحلي» لا ندري أيقصد بها التندر او الطرفة أم بيان الانتقاد وبؤس الحال وديوثة الرجال!

ان المتابع لعالم صناعة الازياء والتنافس المحموم فيه وسيطرته على العقول سيوقن ان الامر يتعدى مقصا وقماشا وخيطا وذوق مصمم، فحتى الاذواق وليدة الفكرة ووليدة التربية ولولا ان الازياء تحمل رسالة وفكرة لما رأيت بعض الشعوب تحرص على ارتداء زيها الشعبي كالباكستان مثلا ولا تستبدله بغيره مهما كانت الظروف والمغريات!

كنت سابقا اتساءل عن معنى الاية القرآنية «ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا» فكيف يمكن ان يصل الضلال والشيطنة بشخص الى درجة ان يكون شيوع الفاحشة محببا الى قلبه، قريبا الى نفسه يعمل له بكلتا يديه حتى سمعت بأن فرساتشي المصمم الايطالي المشهور كان شاذا علنيا ومات على ذلك وكانت تصاميمه وازياؤه تعكس افكاره!

في لحظة صدق انثوية يجب ان نعترف اننا كنساء نحب الجمال ونحب الثناء عليه ربما أكثر من الرجال وليس ذلك بعيب ولا حرام بشرط ان يكون مصدر الثناء مقبولا حلالا ولكن استحسانه من غريب لا يحق له ان يرى دقة الخصر وجمال الشكل وانسيابية الانثناءات يدل على انحراف في النفس وطلب لشهوة!

لا يمكن ان يفسر الوقوف امام المرآة لساعات وزيادة الهندمة بمجرد الرغبة في الترتيب، فذاك يمكن تحصيله بجهد أقل وتكلف أقل ولكن بذل الجهدو الكشف او الاخفاء من ورائه رسالة تدعو الناظر للمزيد او تقول له توقف ليس لك بعد الظاهر العام شيء! لقد اقترح الدكتور مصطفى محمود رحمه الله على شركات التجميل والمساحيق ان يكونوا صادقين في الترويج الاعلاني والهدف منه وطرح عليهم شعارا لدعاية بعنوان «الروج المناسب للرجل المناسب!» فالتي تضع الاحمر والازرق والوان الطيف تبعث رسالة للناظر ولا يمكن ان يكون الامر عشوائيا دون هدف!

نعود اذن للحلقة الاولى فاللباس مظهر من مظاهر الايمان ان الجمال رزق والقبول رزق والمحبة رزق والزواج رزق وقدر لا يزيد او ينقص او يقدم او يؤخر فيه تقصير او تعرية او تلوين، بل ان المنادين بحرية المرأة لو انصفوا لوجدوا في الحجاب شكلا من اشكال الاجلال والحرية للمرأة في أن جسدها لها ولا يحق لاحد انتهاكه ولو بنظرة وان مقوماتها الشخصية ومؤهلاتها النفسية والعلمية والعملية هي ما يقدمها لا مقاس خصرها ولون عينيها!

ان اللباس ايضا دليل حضارة فالمجتمعات المستهلكة من امثال المجتمعات العربية تابعة تتلقف ما ترمي لنا به الحضارة الاوروبية كل موسم بموضة جديدة دون ان نعي بأننا نتبع ميتا، فأوروبا وصلت الان كما يصف مالك بن نبي الى طور الحضارة الذي يستثمر في الغريزة وهذا التطور يؤدي الى افلاس المخزون الروحي وبالتالي انهيار الحضارة مهما كانت قوتها المادية.

ان الخطورة الاكبر التي يعانيها مجتمعنا هو حالة الرضوخ والاستسلام لثقافة السوق فنجد الفتيات من أسر عربية محافظة ينجزفن مع التيار ويلبسن الموضات الغريبة، التي تظهر العورات وتشعل الغرائز، حتى في الدوائر الضيقة والمغلقة، ثم تأتي أم جاهلة مفرطة وتتذرع انها لم تقدر على اقناع ابنتها او توجيه خيارها، والاحرى بهكذا امهات ان يجلسن على جنب ويعتزلن التربية اذا لم يستطعن مجرد توجيه قرارات وخيارات بناتهن وتربيتهن منذ الصغر على ممارسات معينة مفهمومة لهن، وليست مفروضة فقط، من الستر والعفة ومفاهيم الفضيلة وتوجيه الاختيار والذوق فهذه تربية تراكمية وليست صدفة تظهر في السوق بقبول او رفض المعروض!

ولا يظن الرجال انهم معفيون من الواجب فلولا وجود عيون زائغة تبحث عن حرام لا يحل لها وشهوة لا يستحقونها وغريزة تنحي عقولهم لما وجدت نساء تحاول ارضاء رغبات ومتطلبات واهواء نفوس مريضة تبحث عن قضاء رخيص سريع للحاجات!

ان الداهية الاكبر ان تتكشف نفوس وعقول اصحاب الستر فيصبح الاغراء بالحجاب لا يختلف عن الاغراء بالبنطال وذلك اذا خالف الحجاب مواصفاته الشرعية وبالتالي الغرض المطلوب من ارتدائه، فإن نلبس الحجاب ويكون الغرض الاول من ذلك ان نبدو جميلات لا يختلف عن التبرج في شيء وليس معنى ذلك ان المطلوب ان تلبسي الحجاب لتظهري كأمنا الغولة ولكنه ذلك الخيط الرفيع في النفس والفرق في النية الذي نعلمه كإناث، أنا وأنت، الذي يجعل هذه الخرقة تتحول من قطعة قماش نلبسها عادة الى عبادة ترضي رب الارض والسماء وتجملنا بنور الطاعة وتسيرنا بخطوات الثقة بعد نظر الله ورضاه لا طلب لناظرين ولا جمهور ولا ثناء!

النقطة الاخيرة ان المبالغة في التستر مع عدم مراعاة ظروف الزمن لها انعكاساتها السلبية ففي بعض بلادنا العربية تحولت المرأة الى لغز وكأنها كائن فضائي يراد معرفة أسرار وزادت الامراض النفسية والاخلاقية لما اقترنت المبالغة في اللباس بغياب للفهم والاخلاق فصارت النساء يحتلن على العباءة وغطاء الوجه وما تحتهما وما يظهر منهما ولم تعد المرأة المحجبة في نفوس الكثيرين من الرجال خطا أحمر ممنوع الاقتراب منه!

ان حجاب الفطرة السليمة لن يمنع النساء من الفاعلية في المجتمع، كما لم يمنعهن في عهد النبوة الاولى، ولكن يجب ان يقابله رجال تحجبت نفوسهم عن الخنى والخيانة.

كانت صديقتي تلبس ابنتها الصغيرة دائما سروالا تحت الفساتين وتشدد عليها في طريقة جلستها وكنت اجدها «حنبلية» زيادة عن اللزوم! اليوم وأنا أرى ما وصل اليه لباس الفتيات والاخلاق المصاحبة له أشكر صديقتي أن علمتني تلك العادة وأترحم على عمتي ام روزا ورزوا وكل من زالوا يؤمنون ان الستر هو فطرة وايمان وأناقة واحساس وذوق لا يعرفها من يعرضون بضاعة الأجساد في سوق النخاسة العام!

(السبيل 2015-09-07)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات