يا تنبل الكنبة صحصح!!!

بعلبة كبيرة من الفوشار أو رقائق الناتشو وطنجرة من المشروبات الغازية يتقاطر متابعو أفلام السينما، وأغلبهم من الشباب، لقضاء ساعات من الراحة او الاثارة بحسب نوع الفيلم في نشاط يعتبر على الاغلب تسرية عن النفس وتسلية او تضييعا للوقت! ولا يختلف الحال للمتابعين في البيت، ومع هذا فلا ينبغي ان نبهت القلة القليلة من المشاهدين الواعين للمضامين القريبة والبعيدة والمؤثرات الداخلة في صناعة السينما التي تحلل وتناقش وتتابع وتنتقد.
وخروجا من جدل نظرية المؤامرة وسيطرة الصهيونية العالمية على وسائل الاعلام وشركات الانتاج وتغلغلهم الواضح فيه، وهذا ما تثبته التحليلات والارقام دون خلاف، فسأحاكم بعض الأفلام الأشهر لهذا العام ومضامينها لاثبات ان الشاشة الصغيرة والفن السابع متواطئون في تغيير ثقافات الشعوب واستهداف الدين والاخلاق.
اما الفيلم الاول فالقناص الأمريكي American Sniper الذي يبدو في الظاهر قصة لبطل وجندي أمريكي الا أن مضامين العداء للآخر وشيطنة الاسلام تحديدا والخوف من الغرباء xenophobia محورية في الفيلم، وقد عزا الكثير من المحللين النفسيين تأثر القاتل الامريكي كرايغ ستيفن الذي قتل ثلاثة من الطلاب المسلمين بهذا الفيلم الذي يعلي من ضرورة تصفية الآخر لحماية النفس، بل ويصوره كواجب وطني! اما العناصر الاخرى التي تؤدي الى تقبل الناس واقبالهم على الفيلم واعتناق رسالته فكونه يمثل قضية وطنية وجيشا يعتبره الشعب كأبنائهour boys. ثم اختيار ممثل قمة في الوسامة والكاريزما والشعبية هو برادلي كوبر وترشيح الفيلم للجوائز الكبرى كالجولدن غلوب والاوسكار، وهذه كلها كفيلة بنجاحه دون اي سؤال! النتيجة والرسالة غير المباشرة: القاتل يصبح بطلا والقتل أنواع وليس كله جريمة بل بعضه شرف!
الفيلم الثاني هونظرية كل شيء The Theory of Everything والذي يروي قصة حياة الفيزيائي الشهير الحاصل على جائزة نوبل ستيفن هوكنز، وبدل ان تركز الحبكة مثلا على كونه معجزة دالة على قدرة الله كونه مصابا بشلل رباعي ولا شيء فيه يعمل الا عقله، واعطاه الاطباء شهورا معدودة للحياة عاش بعدها ٤٠ سنة، وأنجب وتزوج وكتب وبحث وطوفت سمعته الآفاق، ركز الفيلم على اعتناق العالم للالحاد وتبشيره به، وهي عجيبة في حد ذاتها فعلى قدر ما اعطاه الله من علم وآيات في نفسه الا انه صد عنها!
وقد لاقى هذا الفيلم كسابقه شهرة عالمية وترشيحا وكسبا للجوائز، واقبالا منقطع النظير في شباك التذاكر! والنتيجة والرسالة: الالحاد والملحدون علماء وبشر مثلنا ولا بد من قبولهم!
الفيلم الثالث بعنوان لعبة التقليد The Imitation Game والذي يحكي ايضا قصة حقيقية لعالم الرياضيات ألن تورنغ والذي خدم بلده بريطانيا أعظم خدمة في الحرب العالمية الثانية مع المانيا، عندما قام بتصميم جهاز يحلل الشيفرة العسكرية الالمانية، وبالتالي يستبق مكان الضربات قبل حصولها، الرسالة ليست هنا فلماذا يتم انتقاء هذا العالم ضمن مجاميع لا تعد ولا تحصى من أصحاب الخدمات الجليلة لاوطانهم لإبرازه؟! الجواب: هذا العالم كان شاذا في وقت كان الشذوذ فيه يعتبر غير مقبول على كافة المستويات، فكان علاجه ان تم حقنه بهرمونات ذكورية يقال انها سببت له الاكتئاب، وكانت سببا في موته او انتحاره!! يا حرام عالم جليل حفظ الارواح من القتل وهذا يكون جزاؤه فقط لان ميوله الجنسية مختلفة؟! لا بل ويتابع الفيلم بعد انتهاء القصة في رسائل مكتوبة ما حصل فعلا على ارض الواقع من قيام ملكة بريطانيا اليزابيث بتوجيه اعتذار وتكريم لتورنغ عام ٢٠٠٩ على طريقة معاملته لكونه شاذا!! النتيجة والرسالة: يا بشر الشاذون بشر أفاضل مثلكم تقبلوهم!
اما الفيلم الاخير فبطله نسيبنا اللزم الناشط السياسي والانساني جورج كلوني وعنوانه رجال الآثار The Monuments Men والذي يعرض لمعاناة اليهود في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، ويقدمهم بصورة غاية في الانسانية والرقي والمظلومية! النتيجة والرسالة: الهلوكوست حقيقة واليهود ضحايا والعالم يحب ان يحميهم ويكفر عن أخطائه تجاههم.
هذا غيض من فيض وعرض لقليل والنتيجة والرسالة ان ما يعرض على شاشات التلفاز لا يكون خبط عشواء؛ وانما موجه ومهدف وله سياق ونتائج فما عرض على قناة رؤيا من مقاطع خادشة للدين والحياء والقيم ليس مجرد انتقاء أخطأ صاحبه، بل هو يتسق مع عموم سياسة القناة التي تنتهك كثيرا من القيم في ثوب السخرية والاستهزاء، هذا ناهيك عن التقليد الاعمى لنسخة أجنبية لمجتمعات تناقش أفلامه ما عرضناه سابقا ولا تشبه عموم واغلبية المجتمع الاردني الشريف العفيف الذي يحرص على تربية أبنائه، ثم ما هذا التبرير السخيف ان البرنامج كان للكبار وليس للاطفال؟ فهل الكبار لا أخلاق لديهم، وعندهم فسحة وفوضى تسمح لهم بمشاهدة كل شيء دون رقيب ولا حسيب؟! السنا نبذر الاخلاق في الصغر لتظهر في الكبر ونقول من شب على شيء شاب عليه؟!
قد يقلل البعض من الامر ويقول غلطة وعدت، ولن تعاد ولا ينظر الى السياق العام الذي يتسرب الى الوعي واللاوعي تارة في شكل قوانين لدول كبرى تقر الشذوذ، وتارة في شكل معاهدات أممية تفرض العولمة على البشر وتهدم الاسرة، وتارة في شكل برامج وتارة في شكل ازياء وملابس وصور والوان، وتراكم هذه ان لم يحصل الانكار الشديد والمحاسبة عليها يؤدي الى عدم استنكارها والأدهى قبولها!!!
في الانجليزية يطلقون على من يتمدد امام التلفاز دون عقل يعمل ويحلل couch potato اوتنبل او لخمة الكنبة! والمعنى الحرفي مشتق من شكل البطاطا المهلهل المتراخي المليء بأضرار النشويات.
فيا تنابل الكنب ويا لخمات الشاشة الصغيرة تحركوا فقد وصل الزلزال تحت أرجلكم!
(السبيل 2015-09-09)