أفيقوا أيها العرب!

في المنطقة العربية صراع لا ينتهي، بين إثنيات وطوائف وأعراق مختلفة، كلها تبحث عن مكان لها في هذا البلد أو ذاك، وأغلب الصراعات التي تحدث، تدفعها عوامل طائفية، وعوامل عرقية مختلفة حينا، ولهذا بات لكل طائفة جماعتها التي تدافع عنها دون غيرها، وتنتصر لها ظالمة كانت أم مظلومة!
هؤلاء للاسف، ارتبطوا بالطائفة او بالعرق، وتناسوا فكرة الدولة، فنهشوها، وقفزوا عنها الى صراعات من شأنها أن تفتت المفتت، وتشتت المشتت، وتعمق أزمة الدول وتهدد وحدتها.
في اليمن، والعراق، وسورية، وأحيانا لبنان، يتجلى ذلك، وقبل ذلك تجلى في السودان، الذي أدت تلك الصراعات الى تقسيمه فأصبح سودانين.
للاسف، نجد دوما من يعزف على نغمة الفرقة الطائفية والمذهبية، والاثنية والعرقية، والجهوية، فيغرس نصله فيها للأعماق، يضرب على وترها دون توقف، يذهب بالناس إلى مطارح لم يعتادوا عليها سابقا، ويزرع في النفوس كرها وحقدا على الآخر، ويخلق جوا من العدائية لا ينتهي، ويستحضر مفردات عفا عليها الزمن.
ففي العراق، كما لبنان مثلا، تقسيم طائفي وديني وعرقي، باتت جذوره ضاربة في الاعماق، مع ان الاصل ان يكون العراق قد ذهب الى بناء دولته المدنية قبل سنين، من دون الاعتماد على طوائف او فرق دينية، او عمامات او حوزات. دولة لكل العراقيين مهما اختلفت طوائفهم وتوجهاتهم وأعراقهم، بيد ان ذلك لم يحدث، فحضرت المحاصصة وباتت أساسا في التعامل بين مكونات الشعب الواحد.
ليس المقصود هنا النيل من أحد أو التعرض لطائفة، ولكنها مناسبة، في ظل ما نراه يوميا، من شد وجذب هنا وهناك، للقول ان الدولة، وحتى تستكمل بناءها، يتوجب ان تذهب لتعميق مفهوم المواطنة، بين جميع المكونات من دون استثناء، اما عندما تصبح الدول مرهونة لقرارات من مرجعيات دينية، وتخترقها مليشيات شعبية، تتبع لهذه الطائفة او تلك، فإن ذلك يساهم، بكل تأكيد، في زعزعة الثقة بالدول ككيانات.
الأصل انه لو كانت الفكرة بناء دول متينة، قابلة للحياة والتطور والبقاء، فإن ذلك يستدعي المحافظة على فسيفساء الدول، وتعزيز المواطنة، وليس تعزيز فكرة الأقلية والأكثرية، أو التحشيد الطائفي والمذهبي، أو استحضار حكم مليشيات، كالحشد الشعبي وغيره.
بخلاف ذلك، لن نتحرك خطوة واحدة للأمام، لا بل سنعود للوراء سنين وسنين، وسنجد أنفسنا أبعد ما نكون عن العالم، الذي يتطور بعيدا عنا، أما نحن فسنبقى ننوح على واقعنا من دون فائدة، ونتحزم بأفكار كانت وما تزال سببا رئيسا في تدني مستوانا كعرب، في قوائم حقوق الانسان، وحرية التعبير، والحريات العامة، والديمقراطية بشكل عام.
ما ينسحب على العراق ولبنان، ينسحب على سورية واليمن وغيرهما، فالأصل المحافظة على حضور الدولة، في تلك الدول، وان نقتنع أن الدولة التي تقوم على أركان ديمقراطية، هي التي تمنح كل ذي حق حقه، وتعزز قيم المواطنة عند كل جماعة، سواء كبرت تلك الجماعة أو صغرت.
اما عندما يعيش البعض في دولة ما، وتكون مرجعيته غير الدستور والقانون، فإن ذلك من شأنه تفتيت الفكرة وضياع البوصلة، وتقزيم الدول لدويلات، وتعزيز الفساد والواسطة والمحسوبية، بديلا من القانون والدستور، ويوضع عندها القانون والدستور على رف التعطيل.
اليوم، نحن أحوج ما نكون لتعزيز قيم المواطنة، للحفاظ على فكرة الدولة، وخاصة أننا نرى ونسمع مخططات هنا وهناك، لتقسيم دول قائمة، بناء على توصيفات مذهبية وطائفية وإثنية وعرقية. وقتذاك، وبعد حدوث التقسيمات تلك، سيكون من حق الكيان الصهيوني، أن يطالب بدولته الدينية اليهودية الخالصة، وهذا هو هدف ما يجري!
إذن، إلى أين نحن ذاهبون؟! ومتى تنتهي تلك الكوابيس، ونستفيق من المنوم الذي شربناه، وما نزال نعيش فيه حتى اليوم؟!، أفيقوا أيها العرب، أفيقوا قبل أن تقع الفأس في الرأس؛ اذهبوا لبناء دول مدنية، تتعزز فيها قيم المواطنة، وليس أي قيم أخرى.
(الغد 2015-09-09)