"إنت معلم"؟!

لم أكن أعرف بالضبط اسم صاحب أغنية "إنت معلم واحنا منك نتعلم"، ولكني بجهد بحثي خفيف عرفت ان اسمه سعد لمجرد وهو فنان مغربي الجنسية، وعرفت أنه وجد تكريما من قبل العاهل المغربي محمد السادس، ولهذا شعرت كأنني في عالم آخر بعيد عن متابعة أغاني هذه الأيام.
ما دفعني للبحث عن اسم صاحب الأغنية هو سماعي الدائم لها، وترديدها من قبل جيل الشباب، والبحث جعلني أعرف أن الأغنية حصدت على قناة الـ"يوتيوب" ما يزيد على 150 مليون مشاهدة، الأمر الذي جعلها في مقدمة الأغاني العربية الاكثر مشاهدة عبر تاريخ الـ"يوتيوب"، متفوقة على أغنية "بشرة خير" للإماراتي حسين الجسمي، وبطبيعة الحال تفوقت على كل الأغاني الوطنية الأخرى.
أما الدافع الذي جعل الأغنية تلفت انتباهي فهو كلماتها الاستفتاحية وهي "إنت معلم"، إذ فور سماعي لهذا الوصف كان يخطر في بالي حالات كثيرة عبر التاريخ والحاضر، ممن يستحقون أن نقول لهم "أنت معلم"، فخطر على البال المبدع الكبير الشهيد ناجي العلي الذي سطر رسما كاريكاتوريا قبل ما يقرب من 30 عاما، وكأنه يصف حال عربنا اليوم عندما وضع العرب في حلبة مصارعة يقاتلون بعضهم بعضا، وإسرائيل تتفرج عليهم، لا بل تقوم بالتحكيم لهم، ويخطر في البال الشاعر الكبير مظفر النواب عندما قال للعرب في قصيدته الشهيرة "القدس عروس عروبتكم" وما أتبعها من فضح لحالنا قبل أكثر من 3 عقود.
إذ إنه لمثل أولئك الذين استطاعوا أن يقرأوا واقع عربنا قبل سنين، وقالوا لنا أن لا فائدة ترتجى منهم، ولا هم يحزنون، نقول لهم "أنتم معلمون"! وليعذرنا المغربي لمجرد وكل ملايين عشاقه على "يوتيوب"، لنستعير منه الكلمة في غير مكان أرادها لها، ونسقطها على واقعنا السياسي المرير، الذي نعيشه اليوم، فنقول "أنت معلم" لكل من عرف ببصيرته الثاقبة، ورؤيته السياسية أن الحروب الكونية، التي تدور في اليمن وليبيا والعراق وسورية وغيرها من دول المنطقة، وما جرى من استنزاف لحواضن عربية وازنة، وبروز شبه حواضن كرتونية، لا أثر ولا تأثير لها، إنما كان هدفه الأول والأخير إزاحة البوصلة عن القدس، ووضعها في اتجاهات أخرى كثيرة، وهذا ما نشاهده ونراه اليوم في محيطنا العربي والإسلامي، الذي يشهد صراعات مذهبية وإثنية وطائفية لا تنتهي، فيما إسرائيل تفعل ما يحلو لها هناك حيث المسرى والمعرج والقبلة الأولى، وتعزز واقعا على الأرض بتقسيمات مكانية وزمانية، ويكتفي العرب ببيانات لا تقدم ولا تؤخر.
"انت معلم" نقولها لكل من اكتشف اللعبة التي دفعونا إليها منذ بدايتها، ولم يشارك في لعبها، فيما البعض ما يزال يلعبها بشوطين كاملين وأشواط إضافية، وركلات ترجيح، والأنكى أن أولئك يعتقدون بصوابية ما يعتقدون، أو بالأحرى ما وضعه في رؤوسهم إعلام أحادي النظرة والهدف والغاية، وجد من أجل منح مساحة للصهاينة، للدخول إلى بيوتنا وأسماعنا وجهات نظرهم، ولم يوجد للحفاظ على حواضن العرب وبلدانهم وعواصمهم وجيوشهم، لا بل كان مساهما إلى حد الثمالة، في تجريع الناس زيف وهم أخبار غير واقعية، وتفكيك جيوش وتقسيم دول.
"انت معلم" نقولها لسيدات مرابطات ورجال مدافعين يقفون على أدراج "الأقصى"، رفضا لتدنيسه بأحذية فاشيين جدد، يأملون استثمار واقع عربي وإسلامي مزر وتكريس مخططهم في القدس.
سيدتي القدس، الواضح أننا بتنا أمة مقسمة مقسومة مسبية، سيدتي القدس لن يسمعك أحد، ولن تستطيعي منافسة "لمجرد" في مشاهداته على الـ"يوتيوب"، فالزمن زمن آخر، فيما قلة من الناس من باتوا يستحقون أن نقول لهم "إنت معلم".
(الغد 2015-09-21)