الحرب على المخدرات: ماذا عن الطلب؟

الحملة الأمنية التي انطلقت منذ فترة ليست بسيطة، والهادفة إلى استعادة هيبة الدولة وفرض سيادة القانون، كشفت عن انتشار ظاهرة تهريب وتجارة المخدرات بشكل أكبر مما كنا نتوقعه. بالطبع، فإن تهريب المخدرات كتجارة وجريمة ليس جديداً على المجتمع الأردني، لكن في السابق كان الأردن يستخدم باعتباره ممراً لتهريب المخدرات للدول المجاورة، أكثر مما كانت موجهة للأردن تحديدا.
حالياً، مع الانهيارات والحروب التي شهدتها بعض الدول المجاورة، تنشطت هذه التجارة بسبب غياب الأمن والضبط في تلك الدول، فأصبحت أكبر حجماً وأوسع انتشاراً. كذلك، لا نستطيع إنكار بعض العوامل الداخلية التي ساهمت في ذلك أيضاً. وبصرف النظر عن الأسباب، فإنه بات جلياً أن هناك ازدهاراً لتجارة المخدرات في الأردن الذي أصبح مقراً وليس ممراً لهذه الآفة الخطرة، ما يشي بانتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع الأردني بشكل غير مسبوق.
الحملة الأمنية على تجار المخدرات والمهربين تؤتي أكلها، وتحقق نجاحات مهمة. إلا أن مكافحة المخدرات -كما تخبرنا التجارب العالمية- لا يمكن أن تنجح فقط من خلال مكافحة التهريب والمهربين. فماذا عن الطلب على المخدرات؟
ظاهرة التعاطي والإدمان على المخدرات، ظاهرة اجتماعية بالأساس. وهي ذات أبعاد اقتصادية ونفسية. وهذا يعني أن هناك أسباباً وعوامل مساعدة لزيادة الطلب على المخدرات، مصدرها المجتمع. صحيح أن توفر المخدرات -جانب العرض- يساعد في الترويج وانتشار التعاطي والإدمان، إلا أن الصحيح أيضاً أن الطلب على المخدرات والتعاطي والإدمان، لها أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية.
لا توجد لدينا دراسات متكاملة تحدد لنا نسبة انتشار المخدرات، وخصائص المتعاطين، وأسباب التعاطي، وإنما هناك مؤشرات مطلقة تدل على زيادة تعاطي المخدرات بأشكالها المختلفة، في مناطق المملكة كافة، بما في ذلك المناطق الريفية. وما يضاعف من احتمالية زيادة هذه الآفة وانتشارها، وجود أعداد كبيرة من اللاجئين والعمالة الوافدة، علاوة على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ فيها البلاد، واستشراء البطالة والفقر، وبخاصة بين الفئات الشابة.
الكل يتحدث عن هذه الظاهرة المقلقة، لكن المؤسسات المدنية والوزارات المعنية والجامعات لا تقوم بأي جهد يُذكر للتعامل مع هذه الظاهرة، بل جلّ ما يقوم به بعض المؤسسات هو حملات توعية، منها ما هو جيد وإيجابي، لكن أغلبها احتفالي لا يؤدي إلى نتائج ملموسة.
إن معالجة الطلب على المخدرات لم تعد ترفاً، بل ضرورة مُلحة. ولا بد من خطة أو خريطة طريق للتعامل معها. ونقطة البداية هي الوقوف على حجم هذه الظاهرة وانتشارها، والأماكن التي تنتشر فيها، وخصائص المتعاطين لهذه الآفة، والتي يجب أن تتمخض عنها حزمة من السياسات المتكاملة، بأبعادها الاجتماعية والتربوية والصحية، تكون مبنية على نتائج الدراسات، وواقع المشكلة، وليس على تخمينات قد تصيب وقد تخطئ.
لقد حان الوقت للتنبّه لهذه المشكلات الاجتماعية الخطرة، وتبيان مخاطرها، والعمل الجادّ من أجل معالجتها والتصدي لها. بخلاف ذلك، ستترتب على المجتمع نتائج وخيمة وتداعيات لا تحمد عقباها، بما تتركه من آثار سلبية متعددة على القضايا الأخرى.
(الغد 2015-10-22)