زيارة السيسي لبريطانيا.. والانتخابات التركية!

قد يبدو عنوان المقال غير مترابط؛ إذ ربما يسأل سائل وهو محق: ما العلاقة بين زيارة السيسي لبريطانيا ونتائج الانتخابات التشريعية في تركيا؟! الحقيقة أنني كتبت هذا العنوان بشطريه على ورقة صغيرة ظهيرة الأربعاء 4 نوفمبر لأختار موضوع المقال المفترض نشره السبت 7 نوفمبر من بين هذين الموضوعين ظنا مني أنه يتعين الاختيار بين أحدهما.. تركت الورقة لبرهة لكي أجلب لنفسي غرضا من الأغراض ثم عدت إليها مسرعا بعد أن لمعت في ذهني فكرة بدت كوميض البرق الخاطف. هناك رابط.. بل ثمة رابط مهم بين شطري العنوان. إنه الشرعية.. التي تمثل الفارق الأبرز بين «رئيس الدولة التركية» و «زعيم العصابة المصرية»!!
زعيم عصابة الانقلاب في مصر يطلق «انتخابات تشريعية» تجري على مدار ستة أسابيع (شهر ونصف الشهر تقريبا) حيث تعلن نتائجها في الثالث أو الرابع من شهر ديسمبر المقبل بعد أن انطلقت في 17 أكتوبر الماضي، بينما رئيس الدولة التركية يطلق انتخابات تشريعية تبدأ ويقترع المواطنون وتغلق اللجان ويتم فرز نتائجها وإعلانها في يوم واحد منعا لحدوث أية عمليات للتزوير والتدخل في النتائج!!
هذا هو الفارق بين «رئيس الدولة التركية» و «زعيم العصابة المصرية».. هذا هو الفارق أيها «الدولجية» المصريين والعرب بين «الدولة» و «عصابة اللصوص السفاحين القتلة المزورين».. هذا هو الفارق بين الدولة التي تحترم شعبها وتحترم إرادته الحرة المعبر عنها بشكل ديمقراطي وفق آليات محددة يحترمها العالم ولا يشكك في نزاهتها، وبين «عصابة انقلابية في مصر» اختطفت الوطن ومؤسساته وتمارس على الشعب كل أشكال التخويف والإرهاب عبر أبواق دعائية تسعى للسيطرة على العقول والآذان وعلى حركة الناس بإظهار الاستعداد المجرم لاستخدام القوة المميتة في مواجهة المدنيين المعترضين دون ضابط أو رابط وتحت حماية دولية بغطاء زعمها محاربة الإرهاب والفكر المتطرف!!
هل عرف أصحاب «فزاعة الدولة» التي تصور كل من يعارض الديكتاتورية بأنه يسعى لهدم «الدولة» ما معنى الدولة كما ظهر في الانتخابات التركية؟ وكيف يكون الحفاظ على إرادة الشعب هو أهم مقومات الدولة وأبرز مواطن قوتها، بينما يؤدي غياب التعبير عن الإرادة الحرة للشعب إلى إضعاف مفهوم الدولة بل وانهيار ما يعرف بالدولة في مصر؟!
هل عرف «الدولجية» في مصر والمنطقة كلها من تلك الانتخابات التي جرت في تركيا الأسبوع الماضي، كيف تكون الدولة «دولة»؟!! وكيف لا تستطيع العصابة -أي عصابة- بناء «دولة» -أي «دولة»؟!!، ناهيك أصلا من قدرتهم على الحفاظ عليها، إن كانت موجودة أصلا؟!!
العاقلون يعرفون تلك الحقائق البديهية، لكن البعض في مصر لا يزال تحت تأثير الدعاية الانقلابية، فمتى يتوقف تزييف الحقائق الذي تمارسه «أبواق الدعاية الانقلابية» لحقائق تسد «عين الشمس» بخصوص الانتخابات التركية؟!
صحيفة الأهرام شبه الرسمية المصرية وفي صدر صفحتها الأولى يوم الثلاثاء 3 نوفمبر2015 كتبت عنوانا لخبر فوز حزب العدالة والتنمية التركي بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية؛ وجاء عنوان «الخبر» كالتالي: بدء خطوات تنصيب أردوغان سلطاناً!!
وباعتباري صحافيا ممارسا للمهنة منذ نحو ربع قرن، أتفق مع الزميل محرر موقع «عربي 21» الإخباري في أن العنوان لا يتفق مع مضمون «الخبر».. ويقدم رأيا غير مهني وغير دقيق لموضوع إخباري بهدف توجيه القراء إلى رأي محدد، وهو أمر يجعل المهنية والموضوعية والصدق في حالة انتحار يومي في مصر السيسي!!
والأعجب من ذلك قيام مسؤول التحرير بدس تعبيرات مغلوطة وغير موضوعية في الخبر الذي من المفترض أنه ورد عبر وكالات الأنباء التي تكتب الأخبار بحيادية، ولا تلجأ لمثل هذه العناوين التي يتم تلوينها وتوجيهها حسب هوى النظام الانقلابي الحاكم وعصابته.
قال المتن كما ورد في الأهرام عدد الثلاثاء الماضي: «خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصرا في «انتخابات الخوف»، بحصول حزب «العدالة والتنمية» على الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية المبكرة. من ناحيته طالب أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء، الأحزاب الأخرى بإعادة كتابة الدستور، بهدف إحكام قبضة أردوغان على المؤسسات التركية. وقال مسؤول بحزب الشعب الجمهوري إن النتيجة «كارثة».
وهكذا فإن انتخابات تركيا في «الأهرام» هي «انتخابات الخوف»، برغم مشاركة أكثر من %86 من أبناء الشعب التركي فيها.. وهدف طلب أوغلو تعديل الدستور هو إحكام قبضة أردوغان على المؤسسات التركية.. كأن النسبة التي فاز بها «العدالة والتنمية» ليست تعبيرا عن إرادة الشعب.. والأخير: وصف حزب معارض للنتيجة بأنها «كارثة»، دون أن يحدد ما المقصود: نتيجة الانتخابات أم نتيجة حزبه؟
هكذا جاء الخبر: خلطا للرأي بالخبر، وأحكاما مطلقة، فضلا عن التدليس والانحياز.
هل هذه هي صحيفة الأهرام العريقة الرصينة التي كانت مدرسة من مدارس العمل الصحافي في المنطقة العربية كلها؟!!. ويحق لنا الآن التساؤل: ماذا فعل هؤلاء الأوغاد بالصحيفة الأعرق في المنطقة كلها؟!! بل ماذا فعلت تلك العصابة الانقلابية وزعيمها عبدالفتاح السيسي بأم الدنيا وأرض الكنانة؟!! هل هذه هي مصر التي أرادوها؟ وهل هذه هي «الدولة» التي يريدون الحفاظ عليها؟!
كل تلك الشواهد تعيد التأكيد مجددا على أهمية التفرقة بين «رئيس الدولة التركية» و «زعيم العصابة الانقلابية المصرية».. وبالتأكيد ما حدث للسيسي خلال زيارته لبريطانيا يوضح الفارق بينهما لمن «ألقى السمع وهو بصير».. بريطانيا لو زارها أردوغان تستقبله كرئيس شرعي منتخب للدولة التركية.. بينما استقبلت السفاح القاتل عبدالفتاح السيسي كزعيم عصابة انقلابية غير شرعي في مصر.. هنا الفارق.. وهذا هو المعنى الرابط بينهما!!
(العرب القطرية 2015-11-07)